20 إلى 25 في المئة هو معدل ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية في شهر تشرين الثاني الجاري، فيما كل المؤشرات تنذر بأن الأسوأ لم يأت بعد، في ظل انكفاء السلطة السياسية عن القيام بأي إجراءات جدية لمعالجة الأزمة المالية، واعتماد المصارف سلسلة إجراءات غير قانونية واستنسابية عبر وضع قيود على حركة الأموال كوقف التحويلات المالية وإلغاء التسهيلات التجارية، ما يفاقم الأزمة ويسعّرها. فيما يقتصر عمل وزارة الاقتصاد على تسطير محاضر ضبط للمتاجر التي تتخطى هامش الربح «المنطقي».
المديرة العامة لوزارة الاقتصاد عليا عباس أوضحت لـ «الأخبار» أن «المعدل الوسطي لارتفاع الأسعار يتراوح بين 2 و11 في المئة بسبب أزمة الدولار، كما أن ثمة سلعاً ارتفعت أسعارها قبل الأزمة الأخيرة بموجب مرسوم لحماية 18 صنفاً من المنتجات الوطنية وقّعه وزير الاقتصاد منصور بطيش في تموز الماضي». وفيما تؤكد «أننا نسطّر يومياً محاضر ضبط للمخالفين»، إلا أنها تبقى غير ذات مفعول باعتراف عباس نفسها، «طالما أن القضاء بطيء في التحرك، بالإضافة إلى أن قيمة الضبط (5 ملايين ليرة) لا تشكل رادعاً حقيقياً للمؤسسات التجارية الكبرى، وهي إلى ذلك قابلة للاستئناف».
المكتب الفني للأسعار في وزارة الاقتصاد أصدر أخيراً تقرير أسعار السلة الغذائية لشهر تشرين الأول 2019 المكوّنة من 60 صنفاً تم جمعها من أكثر من 53 نقطة بيع في مختلف المحافظات. وأظهر التقرير ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 0.9 في المئة مقارنة بشهر أيلول، وارتفاعاً عاماً بنسبة 0.8 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ولفت إلى أن النصف الأول من الشهر شهد شبه استقرار في الأسعار التي عادت وارتفعت في النصف الثاني منه بسبب الأوضاع التي يمر بها البلد.
الفوضى هي الثابت الوحيد في كل ما يجري. محالّ صغيرة أبقت على الأسعار القديمة للحفاظ على زبائنها القلة، وآخرون رفعوا أسعار بضائع معينة وفق تقديرات شخصية، فيما أقدمت متاجر أخرى على رفع أسعار كل البضائع بنسبة 20 في المئة بما يوازي نسبة ارتفاع سعر الدولار. وكان لافتاً أن بعض المتاجر حدّد الكمية المسموح للزبون بشرائها من أصناف معينة، كالطحين والسكر والحبوب، والسبب المعلن هو منح فرصة التموين لمزيد من الزبائن!
مصادر متابعة أكّدت لـ«الأخبار» أن البضائع التي تباع اليوم «هي بضائع مخزنة، والسوق تتحكم به الاحتكارات (85 في المئة من قطاعات البلد محتكرة إما علناً عبر وكالات حصرية أو بقوة الأمر الواقع)، وجشع التجار واستقالة إدارات الدولة من مهامها». وأكّدت أنه منذ نيسان الماضي، عندما بدأت تظهر بوادر انخفاض سعر صرف الليرة، عمل كثير من المتاجر على تخزين البضائع بقصد رفع الأسعار وقت الانقطاع.
«كلما ضيّقت المصارف الخناق أكثر، ارتفعت الأسعار أكثر»، يؤكد رئيس نقابة الصناعات الغذائية أحمد حطيط، موضحاً أن إجراءات المصارف التي أوقفت التسهيلات للصناعيين والتحويلات إلى الخارج تضطر تجار التجزئة إلى شراء الدولار من الصرافين بسعر أعلى مما لدى المصرف المركزي، ما رتّب خسائر يعوّضها التجار عبر رفع الأسعار. وينفي حطيط أن يكون لدى التجار مخزون قديم، ولذلك «هم مضطرون إلى تعديل الأسعار وفق سعر الصرف الجديد ولا استغلال في ذلك».
ارتفاع الأسعار طاول اللحوم التي زادت أسعارها بين 15 و20 في المئة. فارتفع سعر كيلو لحم البقر الى ما بين 18 و19 ألف ليرة، من 15 – 16 ألفاً قبل الأزمة. فيما زاد سعر كيلو لحم الغنم من 25 ألف ليرة إلى 30 ألفاً.
نائب رئيس نقابة تجار اللحوم في لبنان عبد الغني الملاح أوضح لـ «الأخبار» أن سبب الأزمة هو عدم صرف المصارف للشيكات والحوالات وتوقف العمل بالتسهيلات التجارية بإيعاز من مصرف لبنان. وأضاف: «كتجار نستورد بالدولار ونبيع الزبائن عبر تسهيلات دفع مؤجل أو مقابل شيكات وحوالات، وبعدما أوقفت البنوك كل ذلك، بتنا نبيع للتجار بالدولار الذي يشترونه من السوق السوداء، وهو ما ينعكس أولاً على الفقير». وأكد أن مخزون لبنان من اللحوم يكفي حتى بداية الشهر المقبل، «وبعدها يمكن أن يتضاعف سعر كيلو لحم البقر إلى 30 ألفاً، علماً بأن لبنان يستورد كل حاجته من اللحوم والمواشي وليس لديه إنتاج محلي من الثروة الحيوانية إلا في قطاع الدواجن. وهذه أيضاً سيطاولها الغلاء نظراً الى غلاء العلف الذي يستورد بالدولار أيضاً.
ويستورد لبنان بمعدل 25 ألف طن سنوياً من اللحوم المبرّدة والمواشي، ويُذبح يومياً نحو 700 رأس بقر. «أما الثروة الحيوانية المحلية الموجودة فمخصصة لإنتاج الحليب، وهي بالكاد تكفي 3 أيام» وفق الملاح.
رحيل دندش – الأخبار