فيما يتهيّأ لبنان لإقرار مشروع موازنة 2019 على طريقة «ما كُتب قد كُتب» في ما خص إجراءات «النزول عن سُلّم» خطر الانهيار المالي – الاقتصادي، تتجه الأنظار إلى «الهَبة الاحتجاجية» التي لاحت طلائعها في الشارع ابتداءً من يوم الجمعة والتي يتوقّع أن تتحوّل معها البلاد «ملعب» تحركات غاضبة وإضرابات واعتصامات.
وإذ يجتمع مجلس الوزراء اللبناني اليوم الأحد في جلسةٍ يُفترض أن يتم فيها وضْع اللمسات الأخيرة على مشروع الموازنة على أن يصار إلى إقراره في جلسةٍ مرجّحة الاثنين برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، فإنّ إحياء النقاش في «الإجراءات المؤلمة» المتصلة خصوصاً بموضوع الرواتب في القطاع العام وبعض التقديمات الاجتماعية، لم يتأخّر في إيقاظ الحركة الاعتراضية في الشارع والتي كانت استكانت في «استراحة مُحارِب» بعد تطمينات إلى عدم وجود اتجاهات للمساس بالرواتب.
وبعد عودة العسكريين المتقاعدين إلى الساحات باعتصاماتٍ لم تخلُ من قطع طرق وحرْق إطارات (الجمعة)، بالتزامن مع الإضراب المفتوح لأساتذة الجامعة اللبنانية وقرار هيئة التنسيق النقابية بمواكبة «الشوط الأخير» من مناقشات الموازنة بإضراب بدأ أمس، وينذر بشلّ المؤسسات العامة والمدارس الرسمية، ترى أوساط سياسية أن مجمل الأطراف المُشارِكين في الحكومة سيكونون أمام اختبارٍ صعب عنوانه حماية القرارات الحكومية من «غضبة» الشارع ولا سيما في ظل الاقتناع بأن قسماً لا يُستهان به من الحِراك النقابي ممْسوك سياسياً، وإلا تكون البلاد أمام مرحلةٍ من الفوضى «الجوّالة» التي يمكن أن تمتدّ طوال فترة بحْث الموازنة في مجلس النواب، الأمر الذي يُخشى أن يترك تداعيات على الموسم السياحي الواعد.
وبدا واضحاً أن الحكومة تعَمّدتْ ترْك البنود الشائكة في مشروع الموازنة إلى «ربع الساعة الأخير». ورغم ربْط تأجيل بحْث ملف الرواتب وخفْض أكلاف السلك العسكري ببتّ بنود أخرى قد تجنّب «الخيارات المُرة»، فإن الأوساط السياسية ترى أن الحكومة أرادتْ من هذا المسار المتدرّج تأخير «الاحتكاك» مع الشارع، أو «تكبير حجر» الإجراءات الممْكنة إلى أوسع حدّ قبل اعتماد الخيار الذي سبق أن حدّدته.
وأشارت في هذا السياق إلى الغموض المتعمّد حيال مَن قد يشمله خيار الاقتطاع أو تجميد نسبة من الرواتب (بين 15 و20 في المئة) بيد أنه يمكن أن يطول كل القطاع العام أو أن ينطلق من سقف رواتب ألفيْ دولار وما فوق، وهو الإجراء الذي يبقى الأكثر ترجيحاً تفادياً لتأليب كل القطاع العام بوجه الحكومة.
وكانت جلسة يوم الجمعة الحكومية أقرّت سلسلة إجراءات بينها خفض المنح المدرسية لغير المستفيدين من تعاونية موظفي الدولة بنسبة 15 في المئة، ورفْع الضريبة على فوائد الودائع من 7 إلى 10 في المئة لثلاث سنوات لتعود بعدها إلى ما كانت عليه، وإدخال تعديلات على نظام التقاعد في الجيش اللبناني، مع فتْح النقاش الجدي حول إعادة النظر بتطبيق التدبير «رقم 3» وعلى مَن ينطبق في المؤسسة العسكرية، على أن تكتمل في جلسة «الأحد الحاسم» الصورة حيال عناوين عدة مثل مساهمة الدولة في صندوق التعاضد للقضاة والتخفيضات التي يمكن أن تطول المخصصات التي ينالها كبار موظّفي الدولة.