تعدّ مسألة تعدد أسعار صرف الدولار مقابلة الليرة اللبنانية مشكلة أساسية تواجه الموازنة الحكوميّة، التي تعتبر بمثابة برنامج مالي للخطة الحكوميّة لسنة كاملة وهي تتضمّن الإيرادات العامة التي من المتوقع أن تحصلها الدولة، النفقات العامة التي يلزم انفاقها خلال سنة مالية قادمة.
الحكومة تضع الموازنة سنوياً ويتم المصادقة عليها في مجلس النواب على أساس أرقام معيّنة بالليرة اللبنانية، ولكن طبعاً فإنّ ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة سيؤثّر بشكل أساسي على أرقام الموازنة الى حدّ أن هذا الأمر بات يفرض على الحكومة أن تتوجه أكثر فأكثر نحو “دولرة” موازنتها. بحسب ما تؤكد مصادر، وتلفت الى أنه “بات واجباً أن تكون المقاربة للموازنة بالدولار”.
الصعوبة الحقيقية التي تواجهها الحكومة في وضع أرقام الموازنة أن لا أحد يعرف ما سيكون عليه سعر الصرف في الفترة المقبلة، فهل سنشهد إرتفاعاً في سعر صرف الدولار مقابل الليرة؟! وبالتالي سيكون لهذا الأمر إنعكاساته على أرقام الموازنة! إذ تشير المصادر الى أنه “وفي حال إرتفع سعر صرف الدولار فحكماً ستقع الحكومة في عجز، من هنا من المنطقي أن تلجأ الى وضع سعر للدولار ضمن هامش معيّن وأن تطلب من مصرف لبنان أن يتدخّل ليبقيه ضمنه، وبالتالي العجز سينتقل من موازنة الدولة الى موازنة مصرف لبنان”، مضيفة: “من سنة 1993 الى اليوم هناك معدّل عجز سنوي يصل الى 3.5 مليار دولار والتراكمات من سنة 1993 الى اليوم هي بمعدل هائل”.
تشدد المصادر على أنه “يجب توحيد سعر الصرف داخل الموازنة، ولكن وفي حال تم اللجوء الى رفع الدولار الجمركي مثلاً فإن هذا الأمر مستحيل”، متسائلة “ماذا ستفعل الحكومة بالفيول الذي تشتريه في حال حصل هذا الأمر، إذ لا يُمكن دفع الدولار الجمركي على 6 آلاف ليرة”، معتبرة أنه “وأمام هذا الواقع سيتمّ اللجوء الى رصد مبالغ للفيول على سبيل المثال ولكن بدون تحديد كميات لضبط الأمور من الناحية الحسابية”، مضيفة: “في الخلاصة ستكون الأرقام محاسبيّة فقط لا غير وسيلجأون الى الشراء على سعر معيّن”.
يتركّز الإنفاق الحكومي على حجم الدولة الذي يتضمّن عدد الموظفين في القطاع العام والإنفاق العام وقد كان مرتفعاً في السنوات الماضية، وبالتالي إذا ارتفع سعر صرف الدولار فإنه حكماً سيضرب الإنفاق العام وتلقائياً سيلجم الاقتصاد. من هنا تشدد المصادر على أن “الاشكالية الكبرى حاليا هي في عدم القدرة على ضمان الارقام في الموازنة، خاصة إذا ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة لأنّه حكماً سيصبح من الصعب جدّاً تلبية الانفاق الحكومي”.
إذاً، في المحصّلة الحكومة أمام مشكلة حقيقيّة في اعداد أرقام الموازنة في ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار… فهل تلجأ فعلياً الى “دولرة” أرقام الموازنة وتضع هامشا للدولار وتطلب من مصرف لبنان التدخل في حال ارتفاعه؟!.