سياسة دعم أسعار السلع والخدمات عرفتها، ولا تزال تعرفها، دول العالم بمختلف أنظمتها السياسية والإقتصادية، وارتبطت بالتحوّلات في دور الدولة ودرجة تدخّلها في الإقتصاد. هذه السياسة تقوم على تحمّل الخزينة العامة الفارق بين كلفةِ إنتاج السلعة او الخدمة، وكلفة مبيعها إلى المُستهلِكين. والهدفُ من اعتماد هذه السياسة، تأمين العدالة الإجتماعية والإستقرار والأمن الإجتماعيين.
بعد انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وفي ظلّ انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية نتيجة استباحة الأموال العامة من قِبل أغلب مُكوّنات الطبقة السياسية والتي ترافقت مع العقوبات الأميركية، بادرت الحكومة إلى توسيع لائحة المواد والسلع الإستهلاكية التي يتمّ دعمها، لتشمل عدداً كبيراً، منها بحيث وصل العدد إلى حوالى 300 سلعة. ثلاثٌ من هذه السلع تمّ دعمها بتأمين استيرادها من خلال دولار سعره حوالى 1500 ليرة لبنانية والباقي بدولار سعره 3900 ليرة لبنانية. وقد تعهّدت الحكومة من خلال مصرف لبنان (أموال المودعين) بتأمين الدولارات المطلوبة للتجار لفتح الإعتمادات.
إنّ سياسة الدعم المُعتَمدة في لبنان تحتاج الى دراسة عميقة للأصناف المدعومة ولآليات الدعم، كما تحتاج إلى ترشيد وإعادة نظر لتخدم شرائح وفئات اجتماعية مُحدَّدة، بدل أن تبقى عشوائية وفي خدمة كبار التجار والمُحتكِرين. وهذه السياسة تحتاج في المدى الطويل إلى تمويل. وهذا التمويل يأتي عادة من مصادر ثلاثة: الضرائب على مداخيل وأرباح كبار الأثرياء لتغذية خزينة الدولة وهي شبه فارغة، والمساعدات الخارجية وهي شحيحة ومشروطة سياسياً (مشروع البنك الدولي)، أو اللجوء إلى بيع قسم من احتياط الذهب (ملكية عامة)، بقانون يصدر عن مجلس النواب، لأنّه لا يجوز دستورياً استعمال أموال الاحتياط الإلزامي للودائع المصرفية (ملكية خاصة) لتغطية كلفة الدعم او أية نفقات أخرى. وإذا لم تبادر السلطة اللبنانية بكل مكوّناتها إلى اتخاذِ خطوات سريعة مدروسة وجريئة لتنظيم عمليات الدعم، عبر تصحيح القدرة الشرائية للأجور، وخصوصاً للشطور الدنيا منها، أو البطاقة التمويلية مقابل رفع الدعم تدريجاً، فإنّ اللبنانيين، بغالبيتهم الساحقة، لن يتأخّروا، إذا جاعوا ومرضوا وعانوا الذل، في رفع الدعم عن هذه السلطة وإسقاطها في غياهب النسيان.