تتسرّب معلومات من الكواليس السياسية الرسمية تشي بمقاربة جديدة يحملها صندوق النقد الدولي لخطة التعافي والنهوض الاقتصادي والمالي، بعدما تبيّن له أن شطب الودائع غير ممكن ولا يساعد في وضع خطة النهوض وإعادة هيكلة القطاع المصرفي ورسملته. إذ يُقرّ الجميع بأن إعادة أموال المودِعين هي حجر الأساس لأي خطة للإنقاذ الاقتصادي والمالي، إضافة إلى اعتراف الدولة بديونها للبنك المركزي والمصارف… كما أن التعهّد بردّها عندما تصبح قادرة على ذلك، هو منطلق أي خطة إنقاذية بلا ريب. إلا أن الدولة تخشى الإقدام على مثل هذه الخطوة توجّساً من مقاضاتها في محاكم أميركية وأوروبية بما يؤدّي إلى حجز موجوداتها كتأثير مباشر جراء اعترافها بديونها المذكورة وبمسؤوليّتها عن الخسائر، وفق قول أحد المسؤولين.
لكن السؤال المطروح هل أعاد صندوق النقد النظر فعلاً في خطة التعافي والنهوض الاقتصادي والمالي التي كان ناقشها مع المسؤولين الرسميين وممثلي القطاع المصرفي؟
الخبير السابق في صندوق النقد الدولي رئيس “الجمعية الاقتصادية اللبنانية” الدكتور منير راشد ينفي أن يكون صندوق النقد قد بدّل مقاربته لخطة التعافي في لبنان، ويقول لـ”المركزية”: لم يعلن صندوق النقد رسمياً بأنه يُعيد النظر في خطته. بل كشف في تقريره الرسمي الأخير أن “السلطة اللبنانية طلبت منه إعادة النظر في الخطة”، كما أنه أكد أن خطة الحكومة الإنقاذية “دونها شوائب عديدة” كتصنيف ودائع مؤهَّلة وأخرى غير مؤهَّلة، وتحويل الودائع إلى صندوق لاسترداد الودائع…إلخ.
ويؤكد راشد أن “بحسب المعطيات المتوفرة لديه وبنتيجة اتصالاته بمكتب صندوق النقد الدولي في لبنان، تبيّن له أن لا تغيير إطلاقاً في مواقف صندوق النقد”، معتبراً أن أي كلام مُغايِر هو من “اختراع السياسيين اللبنانيين”. ويُضيف: لقد أبلغت بعض السياسيين أنهم لا يقرأون تقرير صندوق النقد بتمعّن! إذ أعلن الصندوق في تقريره أن الدولة هي التي تطلب منه إعادة النظر في مواقفه السابقة. كما أنني طلبت شخصياً من المسؤولين في الصندوق إعادة النظر فيها إنما ليس وفق خطة الدولة لأن ما تقترحه الأخيرة هو أسوأ من شطب الودائع، وبالتالي ليس هو الحل.
ويُشير رداً على سؤال، إلى أن “صندوق النقد سبق وأقرّ علناً أن ما أوصل لبنان إلى هذه الأزمة المالية هو السياسات الخاطئة التي اعتمدتها الدولة طوال السنوات الماضية”، ويُلفت إلى أن “كل الأزمات المالية في العالم تتأتّى من السلطة أي الدولة، فلو كانت الدول بدون اعتمادات لما كان فيها أزمات… لكن صندوق النقد يركّز على الحل وبالتالي لا يهمّه تحديد المسؤوليات. فالقطاع الخاص يحاول تفادي الأزمات والإسراع إلى معالجتها في مهدها تجنّباً لأي ضرر”.
وإذ يذكّر بأن “صندوق النقد أعطى ملاحظة مفادها أنه قد ينظر في الودائع المؤهَّلة وغير المؤهَّلة، ولكن ذلك بقي خارج إطار خطّته”، يخلص راشد إلى التأكيد أن “صندوق النقد لم يُعلن عن خطة جديدة للبنان كما أنه ليس في وارد ذلك، وبالتالي لا يزال متمسكاً بشطب الودائع بالدولار باستثناء “الودائع بالدولار الـFresh”، والحفاظ على ودائع الـ100 ألف دولار لردّها بالليرة اللبنانية على مدى 7 سنوات وفق سعر صرف السوق الموازية… أما القول عكس ذلك فيكون من الاختراع اللبناني”.