رغم خطورة الأزمة وعمق الحفرة التي وقع البلد فيها، لا تزال الطبقة السياسية والحكومات التي تنتجها وجميع المعنيين بالشأن العام يتصرفون بخفّة وبذهنية البحث عن «تخريجة حسابية» يتم تحضير وصفتها على «إكسيل» ثم ترفع الى مصاف المقدسات الوطنية فتسرّب أولاً تحت جنح الظلام ثم يعلن عنها رسميّا في جو من الذهول والخشوع وكأن واضعيها أعادوا اكتشاف الأبجدية والصباغ الأرجواني بينما كانوا يتمشّون على شواطئ جمهوريّة فينيقيا الشعبية الكليبتوقراطيّة.
لا وجود لخطّة حقيقية
ليس في حساب هذه السلطة ولا بين مشاريعها فكرة البحث عن حلول حقيقية يبنى عليها للمستقبل وهذا بحد ذاته دليل واضح على نوعية الطبقة السياسية التي ابتلينا بها. من حكومة دياب إلى حكومة ميقاتي هناك ثابتة واضحة ومستمرّة عندما يتعلق الأمر بوضع خطط النهوض الإقتصادي. إنها خطط حسابية تهدف إلى لفلفة السرقات وتغطية الفجوات مع إغفال مقصود لمبدأ الحفاظ على الحقوق ومحاسبة المتسببين بالأزمة. أضف إلى ذلك ان الذين يعملون على هذه الخطط يتصرفون بانفصال تام عن واقع الناس وما يعيشه هؤلاء من قهر وكأنهم غير معنيين ولا مدركين لعمق الخيبة التي وصل اليها البلد بأكمله، والأرجح انهم يشطبون ويقتطعون من ودائع الناس بينما ودائعهم هم غير محجوزة ولم تعد موجودة في المصارف اللبنانيّة فثرواتهم في الخارج وعائلاتهم بخير ومستقبلهم ثابت وآمن.
في المبدأ، عندما نسمع عن «خطة نهوض» إو «خطة تعافٍ» نفترض وجود تحديد واضح ونهائي لأسباب الأزمة وهوية المتسببين تمهيداً للوصول إلى رؤية شاملة وتفصيليّة لكيفيّة الخروج منها مع تحديد واضح لشكل الإقتصاد الجديد وأدواته ودوره في المنطقة والعالم. فبعد ثلاث سنوات من إدارة الإنحدار كل ما هو مطروح حتى الآن لا يتعدى العناوين العامة التي تم التوافق عليها مع صندوق النقد إضافة إلى مخطط حسابي ترقيعي يهدف إلى إزاحة الفجوة المالية التي تسبب بها البنك المركزي والقطاع المصرفي وجميع الطاقم السياسي الذي تعاقب على إدارة الدولة منذ عقود وتحميلها في نهاية المطاف إلى كتلة الودائع بطريقة عشوائية. فما هو هذا التوكيل المقدّس الذي سمح لمجموعة من الموظفين أن يحمّلوا الشعب اللبناني المقيم والمغترب نتائج أعمال شخص واحد أو عشرة أو مئة أو ألف نتفق على تسميتهم بالكارتيل؟
حملات التعمية
ولأن التطبيل أصبح الطبق المرافق لأي موضوع في البلد، فلا بد من حملة تعمية متعددة الأبعاد لمرافقة أي خطّة؛ وهذه الحملات هي إهانة إضافيّة للضحايا الحقيقيين للأزمة. فأصبح كل طرف يرمي بأفكاره ونظريّاته الخاصّة في حلقة النقاش وهذه تبدأ من الصراع الطبقي وتوزيع الثروة، إلى النظريات التي تعتبر أن ما حصل قد حصل ولا يمكن إعادة الحقوق ولا المنهوبات، ولا تنتهي هذه النظريات بالدعوات الصريحة إلى مصادرة الأموال المتبقية في البلد لتأمين ما يسمى بشبكة الأمان الإجتماعي وإعادة إطلاق إقتصاد ما لم نتمكن حتى الآن من فهمه أو تصنيفه لخللٍ في ثقافتنا ومعلوماتنا وليس لخطأ من القيادات المتنورة التي منّت بهذه الأفكار العظيمة على الشعب الواقع في الحفرة.
وحملات التعمية لا تقتصرعلى بعض الإعلام الذي يعمل لحساب مصالح معينة او أشخاص معروفين بل تتعداه إلى بعض المجموعات السياسية والجمعيات المؤثرة في مجالات المال والاقتصاد والتي لم تكشف بعد عن مشروعها النهائي أو مشغلها الحقيقي. وهنا لا بد من الإشارة الى ان معظم هذه الفئات أيضاً لا تملك أموالاً محجوزة داخل النظام المصرفي في لبنان وبالتالي فهي تفصّل من جلد غيرها وعلى البارد ولخدمة مصالح معيّنة.
هل نحن أمام إفلاس متعمّد؟
كيف نغفل في كل ما حدث إمكانية الخداع أو وجود مخطط إجرامي لسرقة الدولة ومن ثم أموال المودعين وصولاً الى أخذ البلد إلى إفلاس متعمّد؟
– فالمنظومة السياسية كانت تعلم أن الوضع آيل إلى الخراب والأدلة على ذلك أصبحت معروفة وموثقه منذ سنوات،
– ومصرف لبنان بإدارته وهيئاته ولجانه كان يعلم،
– ووزارة المال كانت تعلم،
– والمصارف كانت تعلم طبيعة اللعبة التي شاركت فيها ودرست السيناريوهت المحتملة،
الكثيرون في هذا البلد كانوا يعلمون بما هو آت ولم يفعلوا شيئاً لإيقافه إنما أنقذوا أنفسهم وجماعتهم وكل صاحب واسطة أو سلطة ثم تركوا الشعب يقع في الفخ.
ثم تأتي المجموعة إيّاها «لتزبّط» الحساب وتخرج علينا بأغلى ورقة إكسيل في التاريخ وتريد منّا الإيمان والتبرّك بقدراتها العجائبية. نعم، لقد خلق الله الإكسيل لخير البشر وخلاص الأوطان، ويبقى أن تؤمنوا بذلك فتخلصوا.