لم يُشِر مجلس الوزراء، في قراره الصادر في 7 آذار الماضي، إلى أي تعديل في عقد إدارة شبكتي الخلوي، لا بل جرى التشديد، في الجلسة، على عدم الأخذ بالتعديلات التي أجراها الوزير جمال الجراح في فترة تصريف الأعمال، إلا أن وزير الاتصالات محمد شقير، تخطى القرار، معدّلاً العقد مع الشركتين، ومسترشداً بتعديلات الوزير السابق نفسها! وبحسب القرار الحكومي، جرى “تمديد عقدي التشغيل لمدة تنتهي في 19/12/2019 بذات الشروط الواردة في قرار مجلس الوزراء رقم 65 تاريخ 19/12/17 (العقد الحالي)”.
ويضاف هذا التمديد إلى سلسلة طويلة من التمديدات التي بدأت عام 2012، وتستنزف الخزينة العامة بـ17 مليون دولار سنوياً، هو المبلغ الذي يُدفع لشركتي “أوراسكوم” و”زين” بدل إدارة شبكتي “ميك 1″ و”ميك 2″، بالرغم من أن عدد موظفي الشركتين أقل من 10 موظفين، فيما الموظفون الباقون الذين يقارب عددهم الألفين، يتقاضون رواتبهم من الدولة، كجزء من المصاريف التشغيلية لـ”ألفا” و”تاتش”. وهؤلاء يمكنهم الاستمرار في عملهم إذا قررت الدولة إدارة القطاع بنفسها. وهو أمر سبق أن اختبر، في عام 2008، بعد رحيل المديرة التنفيذية لشركة “فال ديتي”، التي كانت تدير “ميك 1” (“ألفا”)، من دون إبلاغ الوزارة. وقد استمر الأمر على ما هو عليه لعدة أشهر، قبل إجراء مناقصة جديدة انتقلت بنتيجتها الإدارة إلى “أوراسكوم”.
ذلك صار من الماضي، والوزارة لن تتسلم القطاع، لا اليوم ولا بعد ثلاث سنوات. في الأساس، لم يضع وزير الاتصالات في طلبه إلى مجلس الوزراء سوى احتمال واحد هو التمديد، فحصل عليه، لكن المفاجأة كانت في التنفيذ. إذ لم يلتزم شقير مضمون القرار الذي يحصر مهمة الوزارة بتمديد عقدي الإدارة والإجازة لها باختصار مدتهما في حال إتمام المناقصة وإرسائها على الملتزم الجديد، بل طلب من الشركتين الاستمرار بإدارة القطاع، لمدة تنتهي في 31/12/2019، مع زيادة عبارة “تحت إشراف الوزير المباشر ورقابته”. ولم يكتفِ شقير بذلك، بل ذهب إلى تعديل نص العقد، من دون مواربة، وخلافاً لقرار مجلس الوزراء، مستعيناً بالمخالفة التي سبقه إليها الجراح، والتي طُعن فيها أمام مجلس شورى الدولة، فجاء في قراره
“… باستثناء البندين 6.9.4 و7.9.4″، اللذين أشار إلى اعتبارهما مُلغيَين، مستبدلاً بهما نصين جديدين، يزيدان من صلاحيات الوزارة في إدارة الشركتين، ويمنعهما من صرف أي دولار من دون موافقة مسبقة. علماً أن هذا النص غالباً ما يكون محط أنظار وزراء الاتصالات، لأهميته في صوغ العلاقة المالية بين الوزارة والمشغلين. التغيير الأول حصل في عام 2012، حين قرر الوزير نقولا صحناوي نقل المصاريف التشغيلية إلى الدولة، على أن تحتاج كل نفقة تفوق الخمسين ألف دولار إلى موافقة الوزارة. بعدها، عمد الوزير بطرس حرب إلى زيادة قدرة الوزارة على التحكم بالمصاريف، فحصل على قرار وزاري بتخفيض السقف إلى 20 ألف دولار، قبل أن يلغي الجراح هذا السقف تماماً، ويسعى إلى التحكم بكل مصاريف الشركتين من دون إجازة حكومية وفي فترة تصريف الأعمال، فلم ينفذ قراره. وها هو شقير يستعيد ما بدأه الجراح، بخلاف قرار مجلس الوزراء، الذي أقر تمديد العقد من دون تعديل. وهو ما يُعَدّ بمثابة تعطيل لأعمال الشركتين، إذ لم يترك لهما أي هامش للإدارة، بل تحولتا إلى ساعيي بريد لتنفيذ قرارات الوزير.
وإذا كان التمديد قد قُرِن بإطلاق المناقصة لإدارة الشبكتين، فذلك يؤكد مرة جديدة أن لا سياسة حكومية للتعامل مع القطاع. فبعد سنوات طويلة من تمديد عقد الإدارة، تبقى الأمور على حالها، فلا الدولة تنفذ القانون 431 الذي يفرض تخصيص الشركتين وتشكيل الهيئة الناظمة للقطاع، ولا هي تسترد الإدارة بنحو كامل. بل كل ما ذهبت إليه هو عقد جديد للإدارة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمدة ستة أشهر مرتين، مع تعديلات تتعلق مرة جديدة بالأكلاف التشغيلية حيث تحدد الوزارة في دفتر الشروط الأولي نقل هذه الأكلاف إلى مسؤولية شركة الإدارة.
ومع إجراء هذه المناقصة، التي تسعى الوزارة إلى إبعادها عن إدارة المناقصات، تُستعاد الملاحظات التي سبق أن رددت في عام 2015، والتي تشير إلى نية الوزارة إزاحة إحدى الشركتين المشغّلتين حالياً، من خلال لوائح تقييم التأهيل، التي تؤدي تلقائياً إلى إبعادها.