اقتصادياً ومالياً، يبدو انّ الصورة تزداد سواداً وخصوصاً على المستوى المالي، حيث اكّدت معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، انّ مخاوف شديدة أبدتها مستويات مالية دولية مسؤولة من دخول لبنان، خلال فترة لم تعد بعيدة، مرحلة جفاف احتياطه نهائياً من العملات الصعبة، في ظلّ النزف اليومي الحاصل في هذا الاحتياط.
وبحسب المعلومات، فإنّ “اشارات تحذيرية من هذا القبيل تلقّتها مستويات اقتصادية، تؤكّد انّ نفاد الاحتياط يعني بلوغكم نقطة اللاعودة”. واكّدت مصادر اقتصادية مسؤولة لـ”الجمهورية”: “انّ وضعنا الاقتصادي والمالي بلغ أعلى درجات الخطورة، فالنزيف المالي لم يتوقف، ولا يبدو انّه سيتوقف.
وتحذّر المصادر من انّه مع النزيف الدائم قد يصل الأمر إلى المسّ بالمحرّمات الاقتصادية، اي بالذهب، ومحاولة بيعه كله او بيع جزء منه، وقالت: “ما يُخشى منه في هذه الاجواء ان يكون من تراوده افكار خبيثة مثل بيع الذهب. اولاً هناك قانون يرعى هذا الأمر، ومعنى ذلك انّ التصرف بالذهب يحتاج إلى قانون في مجلس النواب، ولا نعتقد انّ في الإمكان إقرار مثل هذا القانون. اما ثانياً، وبمعزل عمّا اذا كان بيع الذهب سيحقق انفراجاً مالياً او لا، الّا انّ الخطورة الكبرى فيه انّ دولارات الذهب ستُهدر وتذهب إلى العدم، وربما إلى الجيوب، طالما انّ لبنان محكوم بالذهنيات ذاتها والعقليات التي تسببت بالأزمة وفاقمتها”.
إلى ذلك، وفي خلاصة حول لبنان، أكّد مسؤول مالي دولي لـ”الجمهورية”: “انّ افق لبنان مقفل امام تلقّيه أي دعم مادي او مساعدات من الخارج، وخصوصاً انّ لا ثقة لدى المجتمع الدولي في إمكان ان تباشر السلطات المسؤولة في لبنان في إجراء اصلاحات، بل انّ المجتمع الدولي يستغرب كيف انّ السياسيين في لبنان، ورغم النصائح، لا يزالون ماضين في المنحى الذي يبقي لبنان بمنأى عن ثقة الخارج به”.
ولفت المسؤول عينه إلى انّه لا يبقى امام لبنان في هذه الحالة سوى عقد برنامج تعاون مع صندوق النقد الدولي. ووفد بعثة الصندوق زار لبنان اخيراً، وكانت نتائج زيارته مخيّبة للآمال، وربما تكون للبعثة زيارة ثانية خلال شهر ايلول المقبل، ومن الآن وحتى ايلول نحو ستة أشهر، نتمنى أن يتمكن لبنان من تجاوزها.
ورداً على سؤال قال المسؤول الدولي: “ليس لدينا خطط لزيارة جديدة للبنان قبل شهر ايلول، الّا إذا استجد امر أوجب ذلك، حيث انّ الزيارة ممكنة لاستئناف البحث في برنامج تعاون مع لبنان، اذا ما تمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكّلت حكومة كاملة الصلاحيات”.
الّا انّ المسؤول عينه نبّه إلى مسألة جوهرية، وتتجلّى في انّ “بعثة صندوق النقد زارت لبنان مرات عديدة، وفي كل مرة نلمس تراجعاً اكثر فأكثر، وبناءً على جولات النقاش العديدة، كوّنا ملاحظات جوهرية على أداء الجانب اللبناني، وخلاصتها انّه اصبح لدينا اقتناع كليّ بأنّ القابضين على السلطة في لبنان، ليسوا جدّيين ولا يريدون ان يصل لبنان إلى برنامج تعاون مع الصندوق. هذا الأمر لا يزعجنا كصندوق، ولا يسرّنا في الوقت عينه، فنحن نعرف وضع لبنان وحجم أزمته، وإلى أين يسير، ولذلك نحن حزينون على هذا البلد”.
اضاف: “هذا التوجّه، لمسناه اولاً في الوضع السياسي القائم، وتغليب الحسابات الحزبية والسياسات المتناحرة على مصلحة لبنان، التي انتفت معها امكانيات إعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية وفي مقدّمها رئاسة الجمهورية والحكومة، وهذا ما أبلغته بعثة الصندوق صراحة إلى المسؤولين اللبنانيين على اختلافهم، ولم نشعر انّهم تأثروا بما نقوله، ولمسناه ايضاً، عندما حاول اللبنانيون الخروج على اتفاق اعلان المبادئ مع صندوق النقد، بالتشاطر على الصندوق، حيث تمّ الاتفاق على جوهر هذا الاتفاق ليحقق الغاية المرجوة منه، ومبادئ معينة ينبغي التأكيد عليها في قانون السرية المصرفية على سبيل المثال. الّا انّ الصيغة التي عُمل عليها كانت امراً بعيداً كل البعد عمّا اتفقنا عليه. والامر نفسه بالنسبة إلى الكابيتال كونترول، حيث انّ ما يُحضّر في لبنان حالياً لعرضه على الهيئة التشريعية لمجلس النواب اللبناني، هو صيغة خارجة عمّا تمّ الاتفاق عليه مع صندوق النقد”.