مع بدء تطبيق الدولار الجمركي، يخشى اللبنانيون من ضربة جديدة قد تُصيب مداخيلهم، لا تقلُّ قساوةً عن كلّ الضربات السابقة منذ عام 2019. فرغم عدم سريان القرار على السلع الأساسية المعفاة من الضريبة الجمركية، إلّا أن أحداً لا يضمن التزام المستوردين والتجار بعدم استغلاله لرفع أسعار السلع المستوردة كافة، في بلد يستورد أغلب حاجاته.
لم يكن قرار استيفاء الرسم الجمركي على أساس 15 ألف ليرة للدولار، سوى «ترقيعة» جديدة لملء خزينة الدولة الفارغة، أقرّها وزير المال يوسف الخليل، بعد شهور طويلة من رمي «كرة النار» بين الحكومة ومجلس النواب بشأن صلاحية إقرارها. لا يقتصر عيب القرار على أنه اتُّخذ بعقل محاسبي بارد، خارج أي حلول شاملة للأزمة الاقتصادية تأخذُ الكلفة المجتمعية في الحسبان، بل أيضاً جرى تبريره بأنه لا يشمل السلع الأساسية، وأن أي «إثم» ينتج من تطبيقه يقع على كاهل التجّار. كأنّ التجارب السابقة لم تُثبت عجز الدولة عن لجم الارتفاعات المتلاحقة في أسعار السلع كافة.
عملياً، يسري القرار على السلع المستوردة بعد 1 كانون الأول 2022، باعتبار أن التجّار رفعوا الأسعار سابقاً، وبالتالي لن يؤدّي القرار إلى مزيد من الارتفاعات، إنما سيحسّن الإيرادات الضريبية. لكنّ ما حصل هو أن التجّار استغلوا الأمر لرفع أسعار السلع التي استوردوها سابقاً، ما يضمن لهم مستويات تسعير مرتفعة لاحقاً.
في المقابل، ركّزت وزارة الاقتصاد على قمع المخالفات المتعلقة بالسلع المعفاة من الرسم الجمركي، سواء المستوردة أو المصنّعة محلياً. وبحسب المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد بو حيدر، فقد اتُّخذت الإجراءات الآتية:
– قبل دخول القرار حيّز التنفيذ، جال مراقبو الوزارة بمؤازرة من «أمن الدولة» على مستوردي المواد الغذائية، وطلبوا منهم توقيع تعهد بعدم رفع الأسعار على البضاعة المكدّسة في مخازنهم، تحت طائلة الملاحقة القضائية.
– مع دخول القرار حيّز التنفيذ، بدأ مراقبو الوزارة مراقبة الأسعار في المحال التجارية. وفي حال لاحظوا اختلافاً في الأسعار، سيطلبون الفواتير للتدقيق فيها، وتسطير محاضر ضبط بحقّ المخالفين، سواء أكانوا مستوردين أم تجاراً.
وتستند الوزارة في عملية ضبط الأسعار هذه، إلى «قانون حماية المستهلك»، وإلى المرسوم 73 الصادر في عام 1983 الذي يعطي وزير الاقتصاد صلاحية تعيين «الحدّ الأقصى لبدل الخدمات ولأسعار بيع السلع والمواد والحاصلات، وأن يعين الحد الأقصى لنسب الأرباح في بيعها»، والذي ينصّ على منع تجاوز «سعر البيع في حده الأقصى ضعف سعر الكلفة» بالنسبة إلى السلع المصنّعة محلياً أو المستوردة التي «لم تعين الحدود القصوى لأسعار بيعها أو لنسب الأرباح في بيعها». ورغم أن القرار 277/1 الصادر في عام 1972 هو بحكم الملغى، إلا أن مديرية حماية المستهلك تعتبره مرجعية لها. لكن اللافت أن القضاء يبطل المخالفات المحرّرة بالاستناد إلى هذا القرار.
ويرى التجّار أن هوامش الأرباح قديمة ويجب تحديثها، وهو ما يتطلب أن يقوم وزير الاقتصاد بتشكيل لجنة خاصة يشارك فيها القطاع الخاص لإعادة النظر فيها.
لا تنحصر الثغرات القانونية المتصلة بحماية المستهلك بذلك، إذ ينظر مسؤول رسمي سابق إلى تحديد سقف هامش الربح بضِعف سعر الكلفة على أنه نصّ «مطّاط، يمكن للتجار تضخيمه للالتفاف على القانون، وزيادة هوامش أرباحهم». إضافةً إلى ذلك، يُعدُّ «العدد المحدود للمراقبين الموضوعين في تصرف الوزارة» عامل ضعف أساسياً في تقويض قدرتها على مراقبة أوسع قدر من الأسواق، عدا المحافظة على ديمومة الجولات الرقابية.
بالنسبة إلى رئيس «جمعية حماية المستهلك»، زهير برو، كل محاولات ضبط الأسعار هي «وهم وتفنيص، إذ لا معايير ولا مقاييس. التسعير يحصل وفق ما يريد التاجر الذي يستغل فرصاً مثل تطبيق الدولار الجمركي لرفع الأسعار، والمستهلك يضطر في النهاية إلى تقبل ارتفاع الأسعار».
ويُرجع برو السبب إلى «غياب المنافسة. أصلاً، قانون المنافسة بلا أي معنى، كأنه لم يُقر. ومن دون منافسة لا انخفاض في الأسعار». ويلفت إلى أن «التجار خفّضوا في بداية الأزمة هوامش أرباحهم بشكل نسبي، ليحافظوا على زبائنهم، إلّا أن الأسعار عادت خلال الأشهر الثمانية الفائتة إلى الارتفاع». أساساً، الأسعار في لبنان كانت قبل الأزمة «أغلى بـ 30% من باقي دول المنطقة». لذا، إن ما يُحكى عن محاولات لضبط الأسعار هو مجرّد «حكي بلا طعمة». فما يجب الإضاءة عليه هو «تغيير نمط الاقتصاد إلى منتج. فالنظام الحالي هو فاسد، والوضع خطير جداً، إذ يجري تكديس ثروات على ظهر أكثر من مليوني أجير، معاشاتهم لا قيمة لها. ما يجري عملية قتل وجريمة». ويسخر برّو من الدعوة إلى تغيير القوانين. «ففي المجلس النيابي حلف مصرفي ـــ تجاري ـــ سياسي له 122 ـــ 124 نائباً. أساساً، من يطبق القوانين؟».