أزمة الطاقة العالمية تعكس هشاشة عصر الطاقة المستدامة

يمر العالم بأول أزمة طاقة كبيرة منذ بدء التحول نحو الطاقة المستدامة، والتي يرجح محللون أنها لن تكون الأخيرة حيث يضغط نقص الإمدادات على أسواق الغاز الطبيعي والكهرباء على مستوى العالم من بريطانيا حتى الصين، بالتزامن مع تعافي الطلب العالمي على الطاقة نتيجة تخفيف الإغلاق.

ويرى المختصون أن المختلف هذه المرة هو أن أزمة الطاقة تأتي في الوقت الذي تمر فيه الاقتصادات الغنية بواحدة من أكثر مراحل التحول في أنظمة الطاقة طموحا منذ عصر الكهرباء، حيث لا توجد طرق سهلة لتخزين الطاقة التي يتم توليدها من المصادر المتجددة. لكن التحول الفعلي نحو الطاقة النظيفة سيستغرق عقودا، وخلالها سيظل العالم يعتمد على الوقود الأحفوري، حتى في الوقت الذي يغير فيه المنتجون الرئيسيون للنفط استراتيجياتهم الإنتاجية جذريا.

ويقول دانيال يرجين أحد أشهر محللي الطاقة في العالم إن أزمة الطاقة الحالية تمثل “رسالة تحذير بشأن مدى التعقيد، الذي سيشهده التحول نحو الطاقة المتجددة”. وأشار يرجين مؤلف كتاب “الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصدام الأمم” إلى أنه في خضم التغييرات الجوهرية أصبح نظام الطاقة العالمي أكثر هشاشة وأشد عرضة للصدمات.

وتشهد أوروبا الآن حالة من الفوضى في سوق الطاقة، ففي الشتاء الماضي الذي كان أبرد من المعتاد، تم استنزاف مخزونات الغاز، في حين لم تحاول روسيا أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا تعويض النقص خلال فصل الصيف، لترتفع أسعار الكهرباء والغاز إلى مستويات قياسية، مع تزايد الطلب على الطاقة نتيجة تعافي الأنشطة الاقتصادية من تداعيات الوباء.

ويعتقد الخبراء أن “الضربة المؤلمة”، التي تعرضت لها أوروبا، بمثابة نذير شؤم لنوع الصدمات التي يمكن أن تطال مناطق أخرى من العالم. ومع أن الطاقة الجديدة التي مصدرها الرياح والشمس تزايدت وباتت أرخص بصورة أكبر، فإن الكثير من مناطق العالم ستظل تعتمد على الغاز وغيره من أنواع الوقود الأحفوري لسنوات طويلة رغم أن رغبة المستثمرين والشركات في زيادة الإنتاج من النفط والغاز تتراجع حاليا.

والحقيقة أن التحول نفسه وهو أمر حتمي للحفاظ على كوكب الأرض ليس سببا في الأزمة، ولكن أي نظام كبير ومعقد يصبح أكثر هشاشة عندما يشهد عملية تغيير كبرى كالتي يشهدها نظام الطاقة في العالم. ويحدث كل هذا، بينما تتوقع خدمة بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة نمو الاستهلاك العالمي للطاقة بنسبة 60 في المئة بحلول 2050، حيث يتخلص العالم من الوقود الأحفوري ويتحول إلى السيارات وأفران الطبخ وأنظمة التدفئة التي تعمل بالكهرباء. كما أن استمرار نمو السكان والاقتصاد سيؤدي إلى ارتفاع استهلاك الطاقة. ومع انتقال الحكومات إلى المزيد من رقمنة جوانب الحياة المختلفة، فهذا يعني أن أزمة الطاقة تأتي في الوقت الذي ستزداد فيه حاجة الناس إلى مصادر للطاقة أكثر موثوقية من أي وقت مضى.

وتعني زيادة الطلب على الكهرباء وتقلبات أسعار الوقود، أن العالم سيظل يعاني من الصعوبات في مجال الطاقة لعقود قادمة. ومن المحتمل أن تتراوح تداعيات ذلك بين فترات ارتفاع أسعار التضخم بسبب مشكلات الطاقة وتزايد الفجوة في الدخول بين الدول، وصولا إلى خطر حدوث انقطاعات واسعة للكهرباء وتوقف النمو الاقتصادي والإنتاج.

وبعد أن باتت أنظمة الطاقة مترابطة ومتصلة، يشعر العالم كله بآثار الأزمة الراهنة ومدى انتشارها، ففي الولايات المتحدة، تضاعفت أسعار العقود الآجلة للغاز بالفعل خلال هذا العام قبل الوصول إلى ذروة الطلب التي تأتي مع فصل الشتاء.

 

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةلبنان سائر إلى الانهيار الاقتصادي حتى ولو توفرت المساعدات
المقالة القادمةالتجارة العالمية تنمو بوتيرة تخالف التوقعات