تُظهر دراسة أعدّها «بلوم انفست بنك» أن الاقتصاد اللبناني خسر منذ عام 2019، بفعل الأزمة، ما يُراوح بين 101.8 مليار دولار و114.7 مليار دولار. أجريت هذه الحسابات من خلال قياس احتمالات النموّ الضائعة من عام 2010 إلى اليوم مع اعتبار أن لبنان لجأ فوراً بعد اندلاع الأزمة إلى صندوق النقد الدولي. ورغم أن هذه النظرية غير مطابقة للواقع، إلا أنها تبقى مؤشراً إلى ما كان يمكن أن يحصل لو أن لبنان قرّر إدارة الأزمة بشكل مختلف. فحتى لو لجأ إلى صندوق النقد الدولي المعروف بتطرّفه تجاه القطاع العام وآليات الإنفاق والنظرة التقشّفية للموازنة العامة، إلا أنه كان خياراً أفضل من الخيار المتّبع اليوم.
تأخذ الدراسة في الاعتبار أن العوامل الأساسية للنمو: نموّ حجم القوى العاملة ونمو إنتاجيتها. وهذه الأخيرة، بحسب منهجية الدراسة، تقوم على النموّ في إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج (أي جودة رأس المال بما في ذلك التكنولوجيا والتعليم والمؤسسات) بالإضافة إلى النموّ في نسبة رأس المال إلى حجم القوى العاملة، مُثقّلة بحصّة رأس المال في الناتج المحلّي. بمعنى آخر، تتحسن إنتاجية العمل عندما يعمل رأس مال أكثر وبشكل أفضل. وتخلص الدراسة إلى أن المعدل السنوي للنموّ المحتمل في لبنان كان يفترض أن يبلغ 10.5%، ليبلغ حجم الناتج المحلّي نحو 70 مليار دولار في عام 2022، فيما سجّل الناتج اليوم 21.32 مليار دولار بحسب تقديرات البنك الدولي. في هذا السيناريو، تكون الخسائر المجموعة في السنوات الثلاث التي تلت الأزمة، نحو 114.74 مليار دولار.
إلا أن الدراسة تأخذ في الاعتبار سيناريو يحسب العوامل الخارجية بعيداً من الأزمة اللبنانية؛ وهي أزمة كورونا وتفجير المرفأ والحرب الروسية الأوكرانية. في هذا السيناريو تحتسب الدراسة معدل النموّ قريباً من معدّل نمو الاقتصادات الأخرى في المنطقة، أي بنحو 6.8%، وفي هذا السيناريو تُحتسب الخسائر المجموعة في السنوات الثلاث التي تلت الأزمة نحو 101.85 مليار دولار.
الافتراضات الموضوعة للوصول إلى نتائج الخسائر هذه، هي افتراضات رقمية، تقول بأن الموارد، مثل القوى العاملة وإنتاجيتها، يمكن استغلالها بشكل كلّي في البنية الاقتصادية الموجودة عند بدء الأزمة. كما أن الافتراضات تقول بأن الدخول في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كان ليضمن استغلال هذه الموارد ونموّ الإنتاجية بشكل طبيعي. لكن هذه الافتراضات لا تأخذ في الاعتبار أن الأزمة تسببت بهروب رؤوس الأموال من البلد، وأن الأزمة لم تكن أزمة اقتصادية طبيعية. فالأزمة في لبنان تسبّبت بانهيار النظام المصرفي، الذي يُعد مهماً في الحركة الاقتصادية، من خلال دوره في الإقراض وتشغيل رأس المال. عملياً، الأزمة كشفت أن الأسس التي كانت حسابات الناتج المحلّي تُبنى عليها كانت وهمية، وأن هذا الأمر كان مخبّأً مع الخسائر في القطاع المصرفي. فمن الممكن احتساب حجم النمو المحتمل، لو تمت الإصلاحات الاقتصادية اللازمة، ولكنْ يجب أن يُحتسب أثر النمو على حجم الاقتصاد بعدما انكشفت فيه الحلقات الوهمية.