أوروبا تحاول تقليل انكشافها على الاقتصاد الصيني

اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مستهل زيارته إلى بكين أمس الأربعاء أنه ينبغي على أوروبا أن تقاوم الحد من العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الصين، في رد على الأصوات الأوروبية الداعية إلى تقليص التعامل التجاري مع العملاق الآسيوي.

ووصف بعض المحللين هذه الإشارة بأنها أحد المساعي من ماكرون الذي ترافقه في رحلته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لتفنيد أي شعور بوجود “دوامة لا مفر منها” من التوتر بين الصين والغرب.

وقال ماكرون للصحافيين عند السفارة الفرنسية “هناك أصوات تعلو وتعبر عن قلق شديد إزاء مستقبل العلاقات بين الغرب والصين، وأدت بشكل ما إلى استنتاج أن هناك دوامة لا مفر منها من التوترات المتفاقمة”.

وأضاف أن “هناك انطباعا بأن الانفصال عن الاقتصاد الصيني يجري بالفعل، وأنه لم يتبق سوى تحديد وتيرة ذلك وشدته”. وتابع “لا أصدق، بأي حال من الأحوال، لا أريد أن أصدق هذا السيناريو”.

كما أوضح أن تقليل المخاطر لا يعني قطع العلاقات التجارية مع الصين وأنه لا يوجد تعارض بين تقليل اعتماد أوروبا على الصين في القطاعات الإستراتيجية مثل الاتصالات وتعزيز الروابط التجارية في مجالات أخرى.

وتوترت علاقات أوروبا مع الصين في السنوات القليلة الماضية، وبدأ التأزم بتعثر اتفاق للاستثمار في عام 2021 ثم رفض بكين إدانة روسيا في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.

وتمكنت الصين مع مطلع 2021 من تبوّء مكانة الشريك التجاري العالمي الأول مع أوروبا وأقصت بذلك منافستها الولايات المتحدة، التي حافظت على تفوقها هناك لعقود.

ووفقا للأرقام استطاعت الصين زيادة صادراتها إلى دول الاتحاد في عام 2020 بنحو 5.6 في المئة عما كانت عليه في عام 2019، كما ارتفعت وارداتها من هذه الدول بنسبة 2.2 في المئة مقارنة بالواردات الصينية من المنطقة الأوروبية في عام 2019.

وقبيل أول زيارة لها إلى بكين قالت فون دير لاين إن التكتل “لا يمكن أن ينفصل عن الصين”، لكنه بحاجة إلى تقليل المخاطر و”إعادة التوازن” في العلاقات الاقتصادية، بما في ذلك تقييد وصول الصينيين إلى التكنولوجيا الحساسة وتقليل الاعتماد على الصين في المواد الأساسية.

وبالنسبة إلى ماكرون، الذي يواجه احتجاجات محرجة على قانون المعاشات التقاعدية في الداخل، توفر الرحلة فرصة لتحقيق بعض المكاسب الاقتصادية.

ويرافق الرئيس الفرنسي وفد تجاري مكون من 50 شخصا، بما في ذلك شركة أيرباص، التي تتفاوض على بيع طائرة كبيرة، وشركة ألستوم وشركة الطاقة النووية العملاقة (إي.دي.أف).

ومع ذلك، يرى محللون أن إبرام أي صفقات قد يبدو انتهازيا في وقت يتزايد فيه انعدام الثقة بالصين من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بشأن قضايا تتراوح من تايوان إلى علاقاتها مع موسكو.

وقال نوح باركين المحلل في مجموعة روديوم غروب “هذا ليس الوقت المناسب للإعلان عن صفقات تجارية أو استثمارات جديدة كبيرة”.

ولكنه أشار إلى أن أي منحى من ذلك سيكون تصويتا على الثقة بالاقتصاد الصيني وإرسال رسالة مفادها أن فرنسا ليست على متن نهج الولايات المتحدة.

وثمة العديد من الخطوط العريضة للطرق التي يعتمد بها الاتحاد على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلى جانب عناصر إستراتيجيته لتقليل انكشافه عليه في المستقبل رغم أن الأمر قد يبدو صعبا.

واتسع عجز تجارة السلع بين الاتحاد الأوروبي والصين، لاسيما منذ الوباء، ليصل إلى 396 مليار يورو في العام الماضي من 145 مليار يورو في عام 2016، حيث زادت الواردات أكثر من الضعف وزادت الصادرات بنسبة 50 في المئة.

وتشير التقديرات إلى أن الصين تمثل 20 في المئة من واردات سلع الاتحاد الأوروبي ونحو تسعة في المئة من صادراتها السلعية.

ونجح منتجو الاتحاد الأوروبي في تصدير السيارات إلى الصين، حيث زادت الشحنات إلى 24.3 مليار يورو في عام 2022، بزيادة حوالي 56 في المئة قبل ست سنوات، وتأتي حوالي 80 في المئة من صادرات الاتحاد الأوروبي للسيارات من ألمانيا.

وتعد الصين ثالث أكبر سوق خارجي لسياراتها في الاتحاد الأوروبي، وتتجه نحو 15 في المئة من صادرات السيارات في الاتحاد الأوروبي إلى هناك.

وعلى النقيض من ذلك، تُظهر تجارة السيارات الكهربائية أن الاتحاد الأوروبي يعاني من عجز واضح. وقفزت صادرات السيارات الكهربائية الصينية إلى الكتلة إلى 6.9 مليار يورو العام الماضي من أقل من 800 مليون يورو في العام الذي تفشى فيه الوباء.

وتوقعت دراسة أجرتها شركة برايس ووترهاوس كوبرز بيع ما يقرب من 800 ألف سيارة صنعت في الصين في أوروبا بحلول عام 2025، أي ضعف مستوى عام 2022 تقريبا.

وسيكون أقل من نصفها بقليل من شركات صناعة السيارات الغربية التي تنتج في الصين، مثل بي.أم.دبليو ورينو وأكثر من النصف بقليل من المنتجين الصينيين، مثل أم.جي وبي.واي.دي.

وتبدو هذه الوضعية التجارية أقل حدة إذا ما تم تسليط الضوء على المعادن النادرة، حيث تحتل الصين صدارة العالم باحتياطي يصل إلى 120 مليون طن ما يشكل ثلث الاحتياطي العالمي.

واقترحت المفوضية الأوروبية برئاسة فون دير لاين “خطة صناعة الصفقة الخضراء”، والتي تركز على تأمين المزيد من المواد الخام، وتعزيز قطاع تصنيع التكنولوجيا النظيفة وتقليل الاعتماد على الصين.

ولتزويد التجهيزات المستخدمة في توليد طاقة الرياح أو تخزين الهيدروجين أو البطاريات، تعتمد أوروبا بنسبة 98 في المئة على الصين.

وبالنسبة إلى بطاريات الليثيوم المعدني يبلغ الاعتماد 97 في المئة، وبالنسبة إلى المغنيسيوم، وهو أحد المواد الخام النادرة البالغ عددها 34 في الاتحاد الأوروبي، فهو 93 في المئة.

وفي كثير من الحالات، لا يتم استخراج المعادن في الصين، ولكن تتم معالجتها هناك. ولذلك يريد الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030 معالجة 40 في المئة من المواد الخام الأساسية التي يستهلكها.

وبالنسبة إلى قطاع الطاقة النظيفة تبدو جبهة الحرب مفتوحة على كل الجوانب مع استيراد دول الاتحاد الأوروبي 80 في المئة من الألواح الشمسية من الصين، حيث بلغت قيمتها بنهاية العام الماضي حوالي 21 مليار يورو.

وبموجب قانون صناعة خالية من الانبعاثات الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي، فإن المناقصات العامة للمشاريع الخضراء ستجعل من الصعب نجاح العطاءات إذا كانت من دول توفر 65 في المئة أو أكثر من تقنية معينة أو نوع منتج معين، مثل الخلايا الكهروضوئية أو طاقة الرياح أو المضخات الحرارية.

وهذا جزء من هدف الاتحاد الأوروبي لإنتاج ما لا يقل عن 40 في المئة من الألواح الشمسية وخلايا الوقود والمعدات الأخرى التي يحتاجها للانتقال الأخضر.

وتبحث اللجنة أيضا في الضوابط المحتملة على الاستثمار الخارجي الذي قد يغطي المنتجات “ذات الاستخدام المزدوج” التي يمكن، وعلى سبيل المثال، أن يكون لها تطبيقات عسكرية أو تكنولوجيا مراقبة.

Thumbnail

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالمنتدى الاقتصادي الدولي “روسيا-العالم الإسلامي”.. الموضوعات الأساسية لنسخة العام 2023
المقالة القادمةتسارع زخم الابتكار يعيد رسم مراكز التكنولوجيا الناشئة