الأسواق الناشئة بين أزمة كبرى وفرصة محتملة

وسط موجات متلاطمة من الارتباكات في الأسواق جراء مخاوف الركود العنيفة التي تجتاح أرجاء العالم، إضافة إلى استمرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في مسار التشديد النقدي العنيف الذي يضغط بدوره على الأسواق والعملات، تعاني الأسواق الناشئة من وضع ضاغط أدى إلى إحدى أسوأ موجات التخارج، لكن يظهر أمل في الأفق مع احتمالية عكس الفيدرالي لمساره لاحقا إذا بلغ الاقتصاد الأميركي بالفعل مرحلة الركود.

وشهدت صناديق سندات الأسواق الناشئة منذ بداية هذا العام خروج تدفقات قياسية بلغت 70 مليار دولار، مع قيام المستثمرين بسحب 4.2 مليار دولار في الأسبوع الماضي وحده، وفقا لفاينانشيال تايمز نقلا عن تحليل جيه بي مورغان لبيانات «إي بي إف آر غلوبال».

وتتراجع جاذبية ديون الأسواق الناشئة مع الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة في الأسواق المتقدمة وازدياد قوة الدولار، مما يجعل المستثمرين يبتعدون عن الصناديق التي تحتفظ بسندات بالعملات المحلية والأجنبية. ورفعت جيه بي مورغان توقعاتها لعام 2022 لتدفقات سندات الأسواق الناشئة من 55 مليار دولار إلى 80 مليار دولار، وبينما يرى بعض المحللين فرصة في تقييمات اليوم المنخفضة للغاية، قال أحد المحللين الاستراتيجيين في جيه بي مورغان لصحيفة فاينانشيال تايمز إنه من المتوقع أن تستمر التدفقات الخارجة لبقية العام وسط تباطؤ النمو العالمي وحركة التجارة.

ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع الدولار إلى دعم سوق الدمج والاستحواذ المتعثرة في الولايات المتحدة، حيث يقتنص المستثمرون أصولا أرخص في المملكة المتحدة وأوروبا، وفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز. وقد تراجعت أحجام صفقات الدمج والاستحواذ في الولايات المتحدة بنسبة 40 في المائة على أساس سنوي خلال 2022، حيث بلغت قيمة الصفقات المبرمة خلال العام 1.2 تريليون دولار، وفقا لبيانات مؤسسة ريفنيتيف. ومع ذلك، وفي الوقت الذي تكافح فيه اقتصادات المملكة المتحدة وأوروبا تداعيات الحرب في أوكرانيا، يقول المحللون إن صانعي الصفقات والمشترين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة يستعدون للاستفادة من ارتفاع الدولار واقتناص الأصول بأسعار رخيصة.

وفي ذات السياق، حذرت الأمينة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) ريبيكا غرينسبان من أن التشديد النقدي الصارم في الاقتصادات المتقدمة، مقترنا بنقص آليات شبكة الأمان للفئات الأكثر ضعفا في العالم – يمكن أن يؤدي ذلك إلى موجة من التخلف عن سداد الديون في الأسواق الناشئة، وأن يغرق الاقتصاد في حالة ركود ستكون أسوأ من الأزمة المالية عام 2007. وأدلت المسؤولة بتلك التصريحات بمناسبة إصدار تقرير جديد للأونكتاد بعنوان «آفاق التنمية في عالم ممزق»، والذي يرسم صورة قاتمة للنمو العالمي وسط ارتفاع التضخم.
لكن على الجانب المشرق، فإن الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة سيكون مفيدا للأسواق الناشئة، إذ سيدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى عكس مساره وتخفيف سياسته النقدية، حسبما كتب محلل اقتصادي في صحيفة فاينانشيال تايمز. وأدى تشديد السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي في محاولة لخفض التضخم المتصاعد، إلى صعوبة وصول الأسواق الناشئة إلى أسواق المال الدولية، وزيادة مخاطر التخلف عن سداد الديون، وإضعاف عملات تلك البلدان. ومن شأن تغيير السياسة النقدية للفيدرالي أن تعيد المستثمرين لأصول الأسواق الناشئة مع تراجع أسعار الفائدة الأميركية وضعف الدولار.

ولم يصدر الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن أي تلميحات إلى أنه قد يعكس مساره في حالة حدوث ركود. ورغم تزايد المخاوف بشأن انكماش اقتصادي، أصر المسؤولون على أن الحد من ارتفاع التضخم لا يزال الأولوية القصوى للبنك المركزي الأميركي.

لكن في ذات الوقت يقول أغلب المحللون إن عكس المسار سيكون السبيل الوحيد لدفع الاقتصاد مجددا نحو النمو عقب السيطرة على التضخم الجامح.

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةالأسواق تقفز على أكتاف «اغتنام الفرص»
المقالة القادمة{أونكتاد}: الأمل باقٍ لتجاوز أسوأ ركود منذ 2007