الاتفاق مع صندوق النقد: هل الفرج قريب؟

اثارت قضية توقيع لبنان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، موجة كبيرة من ردود الفعل وفتحت الباب واسعاً امام العديد من التوقعات التي غلب عليها الطابع الايجابي. ولكن، على الرغم من ذلك، فإن التوقيع الذي اتى مع موظفي الصندوق لم يقطع مرحلته النهائية بعد، اذ عليه ان يحظى بموافقة القيّمين على الصندوق من جهة، وان ينفذ الجانب اللبناني الشقّ المتعلق به في هذا المجال. كثيرون اعتبروا هذا الاتفاق بمثابة بداية الفرج للبنان، وهم على حق، ولكن هناك معطيات كثيرة يجب اخذها في الحسبان أدّت الى الوصول الى هذا الاتفاق، الذي لا يرضي اللبنانيين طبعاً، ولكنه أهون الشرور المتاحة.

من المسلّم به انه كان يمكن للبنان ان ينجو من براثين المصائب التي حلّت به لو تمتع المسؤولون (والمواطنون) بالوعي الكافي والمسؤولية اللازمة لاتخاذ هذه الخطوات وغيرها من قبل، بحيث لم يكن هناك من داع لتدخل الصندوق وفرض شروطه، ولكن الرغبة الدوليّة في ابقاء الفوضى المضبوطة في لبنان من جهة، ونكد اللبنانيين تجاه بعضهم البعض بفعل تكدّس النكايات الطائفيّة والمذهبيّة من جهة ثانية، كانت كفيلة للوصول الى ما نحن عليه اليوم.

لا يمكن بأي حال من الاحوال توقع الوصول الى حلول جذرية في المدى المنظور، ولكن ما يمكن توقعه في هذه الحالة، هو فرض بعض الشروط التي لا يمكن للبنانيين ان يفرضوها على بعضهم ومنها ما يتعلق بالمصارف وحاكمية مصرف لبنان وهندسة السياسة المالية والاقتصادية، والتي ستشكل اساساً صالحاً لتغيير مسارالانحدار الحالي المتّبع.

وما يضفي مقداراً اضافياً من التفاؤل في ظل التشاؤم الذي غالباً ما يرافق اللبنانيين، امران: الاول هو الزيارة التي سيقوم بها البابا فرنسيس الى لبنان في حزيران المقبل، لان زيارات الحبر الأعظم الى لبنان لا تأتي الا وتحمل معها الامل والدعم وما يمكن اعتباره مظلّة تحمي من تدهور الامور الى حد لا رجوع عنه.

اما الامر الثاني، فهو مرحلة الانتخابات النيابية، اذ ارضت الخارج بأن اجراءها سيتم وفق ما هو مقرر ووفق ما ضغطت من اجله الدول الخارجية وعملت على مدى اكثر من سنة ونصف لحصوله. كما بدأت العصا السحرية تفعل فعلها، على الرغم من ان عودة سفير خليجي الى لبنان باتت تستأهل التقدير والثناء والشكر، في حين ان اي شيء لم يتغيّر عملياً اذ بقي لبنان ينادي بأفضل العلاقات مع دولالخليج مع التسليم بعدم قدرته على البت بموضوع حزب الله، لانه مسألة يعلم الجميع ان بحثها بات على مستوى طاولة اقليمية-دولية وليست محلية، وكل ما تغيّر في هذا المجال هو الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الخليجيين والاوروبيين لمساعدة لبنان، اي بمعنى آخر تم رفع الحظر المفروضعلى بيروت بشكل نسبيّ. ولمن ينتظر ان تحمل الايام المقبلة معها حلولاً للمشاكل، فمن التوقع ان يطول انتظاره ليس لايام، بل لاشهر طويلة، لان ما هو متوقّع حصوله لجهة السير على طريق التعافي، سيأخذ وقتاً لما بعد الانتخابات النيابية طبعاً، وحتى لما بعد الانتخابات الرئاسيّة ايضاً. ومن ينتظر ان يرى مسؤولين واناس معروفين خلف القضبان بتهم الفساد والهدر، فسينتظر ليس لاشهر فقط، بل ربما طوال حياته، لانه حتى الدول الخارجيّة تعرف معرفة وثيقة وهي راضية تماماً بأنّ النموذج اللبناني لجهّة “التسويات” و”عفاالله عما مضى” هو الذي سيسود.

ليس الاتفاق الذي تم الاعلان عنه هو الفرج، كما انه ليس من شأنه زيادة المصائب، ولكنه في الحقيقة سيناريو الفيلم الجديد الذي سيعيشه لبنان اعتباراً من النصف الثاني من السنة الحاليّة، وليسهناك من سبب للاعتقاد ان الاوضاع ستسوء اكثر من ذلك، لانّها وصلت الى اسفل ما يمكن الوصول اليه قبل الفوضى الشاملة التي لا تزال بعيدة وغير مطروحة على الطاولة.

مصدرالنشرة - طوني خوري
المادة السابقةشراكة استراتيجية بين السعودية وبوينغ في صناعة الطيران
المقالة القادمةالاتفاق مع صندوق النقد فعل ايجابي”ناقص”والعبرة في التنفيذ!