البنك الدولي للبنان: سدّد دَيْنَك!

تلقى لبنان إشعاراً من البنك الدولي يحذّر فيه من التخلف عن سداد 1.1 مليون دولار خلال 45 يوماً من تاريخ الاستحقاق في 15 شباط 2022. يرفض حاكم مصرف لبنان تسديد هذه المستحقات وسائر المستحقات لمنظمات ومؤسسات دولية ولاستشاريين ومحامين طلبت الدولة خدماتهم بقيمة مقدرة بنحو 32 مليون دولار، من دون عقد قرض بينه وبين الحكومة. المستغرب أن هذا الملف لم يطرح على مجلس الوزراء إلا في الجلسة الماضية من دون تفاصيل، وكأن هناك من أراد استعماله ملفاً متفجّراً كهذا في خدمة الاتهامات التي يواجهها الحاكم في شبهة اختلاس الأموال العامة وتبييضها. «الأخبار» تنشر تفاصيل عقد القرض، وجدولاً باستحقاقات القروض الخارجية غير المدفوعة التي يعرضها الخليل على مجلس الوزراء

هل يحضر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جلسة مجلس الوزراء التي تعقد اليوم في قصر بعبدا؟ السؤال كان متداولاً أمس انطلاقاً من أن الخلافات بين الحاكم المشتبه فيه محلياً وخارجياً، وبين أكثر من طرف سياسي، تعمّقت كثيراً، وسيكون مسرحها الفعلي المواضيع المطروحة على جدول أعمال مجلس الوزراء. فإلى جانب المخاوف التي يعبّر عنها المحيطون بسلامة عن احتمال توقيفه في حال ذهابه إلى قصر بعبدا، فإن المواضيع المطروحة على مجلس الوزراء متعلّقة بتمويل الدولة بالعملات الأجنبية؛ البند الأول يتعلق بعقد القرض الذي يفترض أن توقّعه الحكومة مع مصرف لبنان للحصول على التمويل بالعملات الأجنبية لتغطية استيراد القمح والأدوية ودفعات للمنظمات والمؤسسات الدولية. والبند الثاني معروض «على سبيل التسوية» لإظهار الدفعات المستحقة على الحكومة بقيمة 1.15 مليون دولار للبنك الدولي والتي أنذر الحكومة بتسديدها خلال 45 يوماً من تاريخ الاستحقاق، فضلاً عن استحقاقات غير مدفوعة لغاية 31/3/2022 لمكاتب التدقيق المحاسبي والمحامين والاستشاريين الدوليين: الفاريز مارسال، أوليفر وايمان، KPMG، ولمنظمات ومؤسسات دولية.

ما هو مثير للشكوك، هو أن هذه الملفات «هبطت» فجأة من يد وزير المال يوسف الخليل الذي شغل منصب مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، على مجلس الوزراء. ففي جلسة مجلس الوزراء الماضية، أبلغهم الخليل أن هناك دفعات مستحقّة يرفض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تسديدها بلا عقد قرض بينه وبين الحكومة، كما يرفض أن يسدّدها على سعر الصرف المعتمد رسمياً بقيمة وسطية 1507.5 ليرات مقابل الدولار، كما اعتاد سابقاً. وقد تزامن هذا الطرح مع نقاش في حاجة مؤسسة كهرباء لبنان إلى 77 مليون دولار يرفض سلامة أن يدفعها وفق السعر المعتمد رسمياً.

موقف سلامة والخليل، خلق إرباكاً في الجلسة الماضية، إذ لم يتضح سبب تأخّر وزير المال في عرض كل هذه المعطيات على مجلس الوزراء، رغم أن الأمر يعد طارئاً. لكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، امتصّ الصدمة من خلال اقتراحه بدعوة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى الجلسة التي ستعقد اليوم «في إطار التعاون». بدا لوهلة أن اقتراح ميقاتي سيضفي على الحاكم شرعية في كونه «حاجة» للحكومة، إلا أنه منذ ذلك الوقت حدثت الكثير من التطورات القضائية المحلية والخارجية بحقّ الحاكم المشتبه فيه باختلاس 330 مليون دولار من المال العام، والحجز على بعض ممتلكاته وممتلكات أقرباء له في الخارج بقيمة 120 مليون يورو، فضلاً عن سقوط مشروع الـ«كابيتال كونترول» في اللجان المشتركة والذي كان عرابه الرئيس ميقاتي. الأخير عبّر عن مجمل هذه التطوّرات، في طلبه أمس من مجلس النواب طرح الثقة بالحكومة. وفي المجمل فإن ذلك يعني أن جلسة اليوم ستكون مشحونة، ولا سيما أن الملفات المالية المعروضة، إضافة إلى مشروع الـ«كابيتال كونترول» ستكون هي محور النقاش وهي تجعل سلامة حاضراً في مضمون كل نقاش رغم غيابه الشخصي.

إذاً، هناك ملفان معروضان على جلسة مجلس الوزراء اليوم. الأول هو عبارة عن الأسباب الموجبة لاقتراض الحكومة من مصرف لبنان ومضمون عقد القرض بينهما، والثاني يتعلق بالمتأخرات المعروضة «على سبيل التسوية». في العادة ما يعرض على سبيل التسوية يكون منجزاً في السابق، لكن ما يرد في الملف المعروض على المجلس يترك انطباعاً بأن هناك دفعات استحقت ولم تسدّد بعد. على أي حال تثير هذه الملفات سؤالاً أساسياً: لماذا قرّر حاكم مصرف لبنان تعديل آلية التعامل مع الحكومة اللبنانية وتطبيق المادة 91 من قانون النقد والتسليف التي أهملها لعقود مانحاً الحكومة نحو 16 مليار دولار، كما قال في مؤتمره الصحافي في 29 نيسان 2020: «دفعنا بالدولار بقيمة 16 مليار دولار عن الدولة على أمل إعادته، وقد ساهمنا بخفض كلفة الدين من خلال إقراض الدولة بفوائد أدنى من السوق تصل أحياناً إلى 1%». هل يعني ذلك، أن آلية التخاطب بين سلامة وبين الحكومة ستكون عبر وزير المال الذي كان يشغل منصب مدير العمليات المالية في مصرف لبنان؟ هل يعني ذلك أن هذه المعركة مفتوحة على خيارات أولها منح سلامة براءة ذمّة تجاه إقراض الدولة ووقف الملاحقات المحلية بحقّه في جرائم اختلاس وتبييض الأموال؟

في الواقع، إن الدواعي الأكثر وضوحاً لمحاولة الحاكم نيل براءة ذمّة من الحكومة تأتي في اتجاه تبديد قسم من الاحتياطات بالعملات الأجنبية أو ما يسمّيه الخليل «الودائع الإلزامية». فبهذا التعديل، قد يتاح للحاكم، انتزاع اعتراف من الحكومة بأنها تضغط عليه من أجل استعمال «الودائع الإلزامية» التي رُوّج لها في الأشهر الماضية بأنها أموال المودعين، أو ما تبقى من أموالهم. فالحاكم، هو المشتبه فيه الأول في تبديدها. والمصارف تتهمه بأنه استغلّها للسيطرة على هذه الأموال زاعمة بأن لا مسؤولية ائتمانية عليها تجاه المودعين. إذاً، هل يحضر سلامة شخصياً أم يرسل أحد نوابه؟ لا إجابة واضحة بعد، لكن الكلام المتداول يشير إلى أن الحاكم ليس بوارد الحضور في بعبدا «لأنه سيتعرض للتوقيف» يقول المحيطين به.

لكن بحضوره أو بعدم حضوره، سيُناقش المجلس، اليوم، اقتراحات وزير المال يوسف الخليل بشأن عقد القرض مع مصرف لبنان وفق المادة 91 من قانون النقد والتسليف، وبشأن الدفعات المستحقة على لبنان تجاه البنك الدولي بقيمة 1.1 مليار دولار، ودفعات أخرى أيضاً تخلّف أو تأخر لبنان عن سدادها.

اضغط أدناه

https://al-akhbar.com/Images/ArticleImages/20223300461790637841979617901076.jpg

 

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةإتفاق.. تسوية أم هدنة حكومية ـ قضائية؟
المقالة القادمةمشروع عقد القرض بين سلامة والحكومة: حماية قانونية تجاه تبديد الاحتياطات