تواجه سيولة البنوك السعودية ضغوطا ناجمة عن تجاوز معدل نمو القروض المدفوع بدعم المشاريع الضخمة معدل نمو الودائع، بينما أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة المنافسة على التمويل، ما أثار تساؤلات بشأن مواجهة القطاع المصرفي لهذه الفجوة.
ستكون المؤشرات الخاصة بفجوة السيولة أي نسبة القروض إلى الودائع لدى القطاع المصرفي السعودي مرة أخرى تحت الأنظار مع انتهاء الربع الأول وقرب الإعلان عن النتائج المالية للبنوك.
وكانت نتائج عام 2023 قد أظهرت استمرار تفوّق نمو القروض على الودائع وارتفاعه بشكل كبير وفقا للبيانات الصادرة عن البنوك، وهو عامل يحد من القدرة على الائتمان.
وذهبت خبراء بلومبرغ إنتيلجنس إلى أبعد من ذلك عبر إشارتهم إلى التمويل طويل الأجل لدى البنوك والممول من خلال ودائع قصيرة الأجل، ارتفع بنحو 204 مليارات دولار منذ عام 2018.
وتسبب ذلك في رفع فجوة السيولة لديها إلى 11 في المئة من ميزانياتها العمومية، أي ما يعادل فجوة بقيمة 111 مليار دولار في التدفقات النقدية في عام 2023، بزيادة 65.7 في المئة على أساس سنوي.
وينشط في السوق المحلية 30 بنكا مرخصا من البنك المركزي، إضافة إلى بنكين رقميين، ويبلغ عدد المؤسسات المصرفية السعودية 11 بنكا أكبرها البنك الأهلي وبنك الرياض ومصرف الراجحي.
ويقول محللون إن استمرار ارتفاع فجوة السيولة سيولّد مزيدا من الارتفاع في تكلفة التمويل لدى البنوك، كما ينعكس على مستويات النقد لديها.
ومن شأن ذلك، أن يؤثر على صافي هامش الفائدة، فتكلفة الأموال الداخلة إلى القطاع المصرفي تكون أعلى في حال الإقراض بالمقارنة مع سعر تكلفة الإقراض بين البنوك لمدة ليلة واحدة “السايبر”.
وبحسب الميزانيات المجمعة للبنوك السعودية عن العام الماضي، سجلت نسبة القروض إلى الودائع ارتفاعا إلى نحو 99.2 في المئة بزيادة نحو 2.5 في المئة بمقارنة سنوية.
في المقابل تظهر بيانات الشهرية للبنك المركزي والمتعلقة بشهر فبراير 2024 أنها تتراوح عند مستويات 79.64 في المئة. والتباين مرده، إلى اعتماد البنك مبدأ متوسط معدل القروض إلى الودائع.
وعلى المستوى الفردي، واستنادا إلى نتائج 2023، يأتي بنك الرياض في المرتبة الأولى من حيث نسبة القروض إلى الودائع عند 107.6 في المئة، وذلك دون احتساب أي بنود أخرى في الميزانية قد تؤثر في هذه النسبة.
وتشير الإحصائيات أن بنك الجزيرة صاحب النسبة الأقل في الفجوة المسجلة بين القروض والودائع والتي تبلغ حوالي 85.9 في المئة.
وفي خطوة قد تكون أحد الأدوات لجمع السيولة، أعلن بنك الرياض، ثالث أكبر بنك في السعودية من حيث الأصول، الخميس أن مجلس الإدارة وافق على دراسة طرح جزء من أسهم شركة الرياض المالية، وهي ذراع الخدمات المصرفية الاستثمارية التابعة له.
والبنك، الذي من المرجح أن يصبح أول مؤسسة مصرفية محلية تقوم بهذه الأمر في البلاد، مدعوم من صندوق الثروة السيادية الذي يملك حصة فيه تبلغ 21.75 في المئة، ومن الحكومة التي تحوز على 10.39 في المئة من أسهمه.
وقال شبير مالك المحلل في إي.أف.جي هيرميس لرويترز إنه يعتقد أن بنك الرياض يسعى إلى تحقيق دخل من نشاط قيمته “لا تظهر (بوضوح) في الوقت الحالي”.
وفي ظل انخراط البنوك في تمويل مشاريع التحول المنبثقة من رؤية 2030، من المتوقع أن تتسارع وتيرة الإقبال المصرفي على طرح أدوات مالية.
وتبقى تكلفة الاقتراض عبر الأدوات المالية مثل السندات أقل مقارنة بجذب المزيد من الودائع ودفع عوائد أعلى للمودعين، ما يمكّن البنوك من تحقيق هامش ربح أفضل.
وبالنظر إلى استمرار التشديد النقدي في الولايات المتحدة، تبلغ تكلفة الإقراض لدى البنوك السعودية نحو 5.9 في المئة، ومن المرجح ارتفاعها مع استمرار الحاجة إلى المزيد من الودائع.
ومن المتوقع أن يصل الإنفاق على المشاريع في أكبر اقتصاد المنطقة العربية إلى نحو 660 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، استنادا إلى المشاريع التي جرت ترسيتها وفق بيانات شركة ميد لشهر فبراير.
ويعني ذلك أن البنوك المحلية قد تحتاج إلى 396 مليار دولار خلال تلك الفترة، في حال مولت 60 في المئة من المشاريع المخطط لها عبر استخدام مزيج من الودائع والمزيد من الديون.
وفي هذا السياق، طرحت بلومبرغ أنتيلجنس فرضية قيام صندوق الثروة برفع نسبة مساهمته في بعض البنوك، بينما يحوز على حصة تبلغ 64.5 في المئة بالبنك الأهلي، في إطار تركيزه على دعم النمو وارتفاع تكاليف الإقراض.
وأصبحت معالم خيار اللجوء إلى طرح أدوات أكثر وضوحا منذ بداية هذا العام، بعدما أصدرت 4 بنوك على الأقل أدوات وصكوك بقيمة نحو 3.7 مليار دولار.
ومن شأن التوجه المرجح للاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) للتخفيف من التشدد في السياسة النقدية، وما يفترضه من مواكبة البنوك المركزية له خلال الفترة المتبقية من 2024، أن يحفز مزيداً من البنوك السعودية لإصدار المزيد من الأدوات المالية.
وسيوفر ذلك مكاسب للبنوك من خلال استفادتها من انخفاض تكلفة التمويل بعد انخفاض أسعار الفائدة العالمية.
وكانت بلومبرغ أنتيلجنس قدرت وصول إصدارات البنوك السعودية إلى مستوى قياسي هذا العام عند 11.5 مليار دولار من السندات بالعملات المحلية والأجنبية لدعم السيولة لديها.
ويبدو أن الحد من التشدد في السياسة النقدية سيضفي مزيدا من المرونة على توجهات البنوك السعودية للاقتراض عبر أدوات الدين.
ويمكن تحقق هذه الفرضية عند الأخذ بعين الاعتبار أن هذه البنوك قد تكون في حاجة إلى الاستمرار في المحافظة على زخم الإصدارات بما يتراوح بين 10 و15 مليار دولار حتى العام 2028 لمواكبة التحولات الحاصلة في المملكة.
ومن الحلول الأخرى لردم الفجوة أو التخفيف منها، هو أن يضخ البنك المركزي المزيد من السيولة للقطاع، وهو إجراء جرى اعتماده خلال السنوات الماضية.
ورأى ثامر السعيد رئيس الأصول في رصانة المالية في اتصال مع خدمة الشرق بيزنس أن هذا الخيار “مرجح وقريب”، نظرا لتوفير مستويات نقدية مرتفعة مع إمكانية إعادة توظيفها، معتبراً أنه ينطبق عليه المثل القائل “آخر العلاج الكي”.
ويعتقد أن البنك المركزي قد يوفر السيولة في هذه الحالة ككتلة ويزود كل بنك وفق احتياجاته الخاصة المحتملة.