التحويلات… في “معصرة” المصرف المركزي!

بعد فراغ جعبة مصرف لبنان من “الأوراق الخضراء”، وفي ظل الحاجة المتزايدة للاستمرار بالدعم وتمويل متطلبات الدولة “وقعت العين” مرة جديدة على التحويلات الخارجية. التصويب هذه المرة هدف إلى ضرب “عصفوري” التحويلات عبر شركات تحويل الأموال والبنوك بالحجر نفسه. فأصدرالمركزي التعميم 159 الذي يتيح للمصارف الاحتفاظ بـ”الفريش” دولار والتسديد بالليرة على أساس سعر منصته. ومنعها كلياً من شراء العملات الأجنبية من السوق الموازية.

ولكي لا يقطع التدفقات النقدية إلى المصارف المقدرة بنحو مليار دولار سنوياً، وتحوّلها إلى شركات تحويل الاموال التي ما زالت تسدد بالدولار، يُنتظر أن يُصدر المصرف المركزي تعميماً جديداً يلزم فيه الأخيرة بالتسديد بالليرة بحسب سعر السوق (منصة صيرفة)، أو مناصفة بين الليرة والدولار.

الإجراءات تهدف بحسب المتابعين إلى استفراد المركزي بالسوق الموازية، وتحكمه بها لتأمين دولارات المستوردين، خصوصاً، بعد رفعه الدعم. وأيضاً، لتقريب سعرها من سعر منصته. إلا أنه من جهة أخرى ستنعكس هذه “الهندسات” تراجعاً في التحويلات من الخارج عبر المصارف والشركات. والتجربة من العام الماضي تبين أن إلزام شركات تحويل الأموال في 17 نيسان 2020 التسديد بالليرة بحسب سعر منصة صيرفة (3900 ليرة) آنذاك أدت بعد ثلاثة أشهر إلى تراجع التحويلات بنسبة 80 في المئة. ذلك أن سعر السوق الموازية ارتفع في الفترة عينها من حدود 4000 ليرة في نيسان إلى أكثر من 7000 في تموز. الأمر الذي دفع المغتربين إلى الإحجام عن إرسال الاموال إلى ذويهم. اليوم يتكرر الأمر نفسه لكن مع تسكير كل منافذ التحويلات الخارجية بالعملة الأجنبية، وهو ما سيحرم عشرات آلاف العائلات من مصدر دخل اضافي يؤمن لهم متطلباتهم الأساسية، وسيدفع بآلاف الشبان الذين يعملون “عن بُعد” remotely ويتقاضون الدولار الطازج، إلى ترك البلد والهجرة إلى الخارج.

أما عن نية “المركزي” بمساهمة هذه الإجراءات في تخفيض سعر الصرف، وتعادله مع سعر منصته فتبقى برأي الخبراء “مجرد أمنيات في ظل غياب الإصلاحات وعدم وجود حكومة والتخبط بالسياسات والأهداف والأولويات”. وفي جميع الحالات فان الأوطان لا تبنى بالنيات ولا بالسياسات النقدية غب الطلب المنفصلة عن السياسات المالية والإقتصادية والإجتماعية. و”عصر” الدولارات المتأتية من الخارج في “معصرة” مصرف لبنان لن يؤدي في النهاية إلا إلى “تقطير” المزيد من الفقر والعوز وحرمان المواطنين من مصدر المساعدة الوحيد.

 

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةالزبائن حائرون: لا بنزين ولا ديليفيري
المقالة القادمةمصرف لبنان: حجم التداول على SAYRAFA بلغ 900 ألف دولار