الجريمة: سلامة والأحزاب قتلوا عمداً مشروع البطاقة التمويليّة

لرهان الأساسي لتأمين الجزء الأكبر من الدولارات المطلوبة لتمويل البطاقة التمويليّة، كان على إعادة تخصيص أموال قرض البنك الدولي المرصود لتمويل مشروع النقل العام، أي على تغيير وجهة الاستفادة من هذا القرض غير المستعمل بعد، واستعماله لمشروع البطاقة التمويليّة.

ولذلك، توجّهت حكومة دياب منذ فترة إلى البنك الدولي للبحث في شروط إعادة تخصيص القرض، وخصوصاً تلك التي تتعلّق بشفافيّة الآليات التي سيتم من خلالها تحديد الفئات المستفيدة من البطاقة، وبطريقة تلقي الطلبات وتقييمها وتوزيع السيولة لاحقاً. وفي تلك المرحلة، كان من الواضح أن البنك الدولي وضع شروطاً واضحة ومشددة لكيفيّة تصميم المشروع، كي يتواءم لاحقاً مع معايير البنك للمشاريع التي يمكن أن يموّلها من قروضه.

شروط البنك الدولي تركّزت على ضرورة فرض رقابة خارجيّة مستقلّة على المشروع، وآليات تنفيذه، وعلى عمليّة إعداد قوائم المستفيدين، للحؤول دون توظيفه لغايات الزبائنيّة السياسيّة. كما طالب البنك إشراك أصحاب المصلحة والخبرة في عمليّة تصميم المشروع وتطبيقه، من منظمات إنسانيّة ودوليّة وخبراء ماليين، للتأكّد من أخذ جميع الهواجس والأولويات بالاعتبار، والتخطيط للمشروع بطريقة شفّافة أمام الرأي العام.

أما أهم الشروط، فكانت ضرورة تكامل مشروع البطاقة التمويليّة مع سائر مشاريع الدعم الموجّهة للفئات الأكثر حاجة، وإدراجه من ضمن موازنة وسياسة ماليّة شاملة تعتمدها الدولة اللبنانيّة. وهذا الشرط بالتحديد، كان الشرط الأصعب على الدولة اللبنانيّة، بغياب أي موازنة أو خطة ماليّة واضحة معتمدة من قبل الحكومة. وبالإضافة إلى كل هذه الشروط، طلب البنك الدولي اعتماد معايير واضحة لحوكمة المشروع، في ما يخص مؤهلات الفريق الذي يديره، واستقلالية هذا الفريق عن سائر المؤسسات الحكوميّة.

فرملة مشروع البطاقة التمويليّة لم ينتج عن غياب التمويل فقط، بل ارتبط أيضاً بمجموعة من الخلافات الحادّة التي برزت طوال الفترة الماضية داخل حكومتي دياب وميقاتي، في كل ما يتعلّق بصلاحيّة الإشراف على المشروع ومراقبته. فوزارة الشؤون الاجتماعيّة حاولت منذ البداية حصر مسألة إدارة المشروع بفريق عمل من داخل الوزارة نفسها، على اعتبار أن إدارة مشاريع المساعدات الاجتماعيّة تقع من ضمن اختصاص الوزارة حصراً. لكن في المحصّلة، جرى الضغط داخل الحكومة باتجاه إتجاه إدارة المشروع من قبل التفتيش المركزي، وعبر منصّة Impact، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة.

بغياب البطاقة التمويليّة، شبكة الأمان الجديّة الوحيدة والمؤمّنة، ستكون هناك فقط مساعدات البرنامج الوطني المخصص للأسر الأكثر فقراً، والذي يتم تمويله بقرض من البنك الدولي أيضاً. هذا البرنامج، عانى بدوره طوال الأشهر الماضية من العرقلة الناتجة عن رفض المجلس النيابي للشروط التي حاول البنك الدولي فرضها، إلى أن قرر المجلس أخيراً إدراج التعديلات التي يريدها البنك على جدول أعمال الهيئة العامّة للمجلس يوم الخميس المقبل. وبذلك، سيكون هذا البرناج –الذي لا تتجاوز قيمته 246 مليون دولار- هو كل ما تملكه الأسر اللبنانيّة لمواجهة مرحلة رفع الدعم ومعدلات التضخّم المرتفعة.

باختصار، لم تكن البطاقة التمويليّة سوى فقاعة إعلاميّة، تم تسويقها بمهارة طوال الأشهر الماضية، للتخفيف من خشية اللبنانيّين من مرحلة رفع الدعم، والإيحاء بوجود ما يمكن الرهان عليه بعد هذه المرحلة. وبعد دخول البلاد في دوامة ارتفاع أسعار المحروقات والأدوية والمواد الغذائيّة، اكتشف الجميع حجم الفشل الذي أحاط بالتخطيط لهذا المشروع، والذي أدّى إلى الإطاحة به، ووضع الأسر المحدودة الدخل في مهب الريح خلال الفترة المقبلة. المشكلة الأساسيّة هنا، هي أن البلاد التي لم تعد تملك شبكة أمان اجتماعيّة وازنة، في مجتمع يعاني أكثر من 82% من أفراده من فقر متعدد الأبعاد.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةأدوية الأمراض المستعصية والمزمنة ستتوفر قريباً.. ومجاناً
المقالة القادمةالنفط العراقي والغاز المصري وكهرباء الأردن: 12 ساعة تغذية قبل نهاية السنة