منذ 17 تشرين الأول، والشعب ينادي بوطن حريات وكرامة، لا بوطن قمع وتجويع. وإذا كان لا بد من سلّم للصعود فلندُس على الفساد والفاسدين لا على الضعفاء والمعوزين، فهم وحدهم الف باء أبجدية الكرامة الذين، وحتى اليوم، تكبّدوا “وحدهم” ضريبة الفساد.
العام 2015، كان في لبنان نحو 350 الف مواطن، الواحد منهم يعيش بأقل من دولارين في اليوم بحسب أرقام الأمم المتحدة، ما يعني أنهم عاجزون عن تأمين حاجاتهم الاساسية. كشفت الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ 17 تشرين بؤر الفقر الآخذة بالتزايد بسبب الظروف المالية والاقتصادية والسياسية. أما في العام 2018، فوصلت نسبة اللبنانيين الذين يرزحون تحت خطّ الفقر الى أكثر من 35%، بحسب تقرير البنك الدولي. وذكر التقرير أيضاً أن نسبة البطالة وصلت إلى 30% من عدد السكان في لبنان، و36% لدى الشباب فقط. لكنّ نسبة الفقر لا بل المجاعة معرّضة لبلوغ 50% مع تزايد عدد الموظفين الذين باتوا يتقاضون نصف راتب، ومع ارتفاع وتيرة إقفال المؤسسات وبالتالي تشريد آلاف العائلات وتركها من دون “قوتٍ يومي”، وتزامناً مع ارتفاع الأسعار بنحو 30% وأكثر.
على رغم خطورة الأرقام، لم تتّخذ السلطات أي محاولات جديّة والنتيجة؟! طبقة أكثر فقراً وعوزاً وأمّية وأكثر عرضة للأمراض المزمنة وغير المزمنة… ولكن “المستوطِنة” لعدم قدرتهم على المعالجة والطبابة.
وبالحديث عن الأمراض، تُشكّل نفقات الصحة في لبنان 72% من الناتج القومي. لكن أين تذهب هذه الاموال؟ وأين “تُهدر” الاموال المخصصة لوزارة الصحة والتي تناهز المليار دولار سنوياً؟ وإذا ما قمنا باحتساب الـ 19 مليار دولار (النفقات الحكومية) على عدد اللبنانيين المقيمين، لوجدنا أن فاتورة الفرد الواحد والتي على الدولة تغطيتها تبلغ 5000 دولار. لكن لو صحّت الارقام، لما وجدنا طفلاً متسوّلاً على الطرقات، ولما وجدنا أي عجوز بلا نظام تقاعد ومن دون تغطية صحية ولما انتشرت بؤر البؤس والفقر و”الامراض” التي تتوزع في أكثر من منطقة وعلى عينِك يا دولة…”المزرعة”.
على مدى أعوام، اقتصر دور وزارة الصحة على سياسات فاشلة، قائمة على تقديم المال العام الى المستشفيات الخاصة، تحت عنوان التغطية الصحية من قِبل الدولة أكان لجهة الاستشفاء أو لشراء الأدوية والمعدات الأجنبية أو غيرها، لتبقى بذلك المستشفيات الخاصة والشركات المحتكرة للأدوية المتحكّم الأوحد بحياة الناس… وكراماتهم.
بين الثورة والسرقة والفساد واختلاف المواقف والمبادئ وتسارُع الأحداث يبقى المواطن وحده الضحية. ضحية غلاء المعيشة التصاعدي وضحية فقدان فرص العمل وتقليص المعاشات وشلّ الشارع الاقتصادي والإنتاجي، وضحية عدم وجود ضمانات إنسانية ولا حتى نظام تقاعدي يغطّي أكلاف الفواتير الصحية…
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يُشهر الجوع أسلحته، والخوف من المرض مع عدم وجود الضمانات الصحية والبيئية التي تطاول الغالبية الساحقة من المواطنين. أما الرابح الوحيد فيبقى “الخوف” من المجهول لانه الحقيقة الوحيدة التي يعاني منها الجميع في السلطة وخارجها وفي الشارع وخارجه.
وبانتظار “الاعجوبة” التي لربما تُعيدنا إلى أرض الواقع نبقى أسرى عالم افتراضي مفتوح على كل الاحتمالات. والهاجس الأكبر أن يتغلّب في نهاية المطاف الفقر والعوز والجوع والمرض وتُهيمن كلها مجتمعة على حساب الوقت الذي لن يكون في صالح أحد. فكلّما جاهدْنا في إيجاد الحلول، عبَرنا خطوة باتجاه النور لوطن أثقلته الظلمة وأثقلت كاهل أبنائه حالات العوز التي تفشّت على أيدي طبقة حاكمة فاسدة، ولم يعد هناك من سُبُل خلاص إلّا باستئصالها مع كلّ ما يمتّ إليها بصلة في مفاصل الدولة كافة.