تمدّ أوكرانيا لبنان بين 60 إلى 80 بالمئة من حاجته للقمح ونحو 60 بالمئة من حاجته للزيت النباتي المستعمل في الصناعات الغذائية والقَلي. هي نِسَب مئوية مرتفعة يهدّد اختلالها السوق اللبناني. وهو ما بدأ يُلتَمَس مع تصاعد وتيرة الحرب التي أثّرت على الاقتصاد العالمي وليس فقط لبنان. فكبار المستوردين يبحثون عن طرق آمنة للاستيراد وتفادي الأخطار التي قد تصيبهم نتيجة الحرب. ومحلياً، يُضاف عامل الجشع إلى عامل ارتفاع كلفة النقل والتأمين على البواخر.
بات ثابتاً أن المطاحن غير قادرة على تخزين ما يزيد عن حاجة لبنان لشهر واحد من القمح، أي بين 40 إلى 50 ألف طن، وذلك في ظل غياب إهراءات صالحة لتخزين كميات أكبر. وندرة القمح تعني ندرة الطحين، الذي بدوره يعني ندرة تأمين الخبز الذي يستتبع رفع أسعاره.
بدوره، لم يدخل الزيت بعد مرحلة شحّ الكميات، لكن التجّار رفعوا أسعاره وقنّنوا توزيعه، وهو ما يظهرَ بوضوح في عدد كبير من السوبرماركت التي فرغت رفوفها من الزيت. وأكّد أحد أصحاب السوبرماركت في حديث لـ”المدن”، أن التجّار “لا يسلّمون الكميات المطلوبة. واختلفت الأسعار كثيراً إذ أن بعض الماركات ارتفع سعرها 100 ألف ليرة للغالون الواحد سعة 5 ليتر، ما دَفَعَ الزبائن إلى التهافت أكثر على السوبرماركت، واستَعَدنا المشهد الماضي وبتنا نتحضَّر للإشكالات التي قد تحدث”.
المعضلة دائماً تبدأ عند التجّار الذين يَنفونَ علاقتهم بالأزمة، إذ يلقي أحدهم باللوم على الناس الذين “يتهافتون للشراء، ويرضون بأي سعر يُعرَض عليهم”. وكأن قبولهم لم يُفرَض عليهم بفعل تجربة ليست بعيدة وبفعل غياب الدولة. علماً أن هذه الخلاصة، ليست سوى مؤشّر على رفع الأسعار، ودائماً بحجّة التهافت.
أزمة الزيت كانت مرتقبة، لكن في لبنان تتسارع الأحداث في ظل عدم وجود مَن يضبطها. والمقلق، أن المصادر الأخرى التي قد يُعَوَّل عليها تأمين الزيت، وتحديداً تركيا ومصر والسعودية، ليست بعيدةً هي الأخرى عن التأثّر بالأزمة العالمية، لذلك قد لا تستجيب لتأمين حاجة لبنان كلّما تصاعدت الأزمة.
يشكّل السكّر مادة أولية للكثير من الصناعات الغذائية. ويحتاج لبنان نحو 120 ألف طن سنوياً للاستهلاك المحلّي، جلّها يأتي من الجزائر التي فرضت مؤخّراً حظراً على تصدير هذه المادة خارج حدودها. والتبرير المُعلَن من وزارة التجارة، هو توفير المادة خلال شهر رمضان. على أنّ خلفَ هذا الشهر، تخوّفٌ من أزمة عالمية تريد الجزائر استباقها والإبقاء على مواردها داخل حدودها، وربما الاستفادة من المتغيّرات لتحديد أسعار جديدة.
وما يدعم وجود أسباب أعمق، هو تفاعل الحديث داخل الجزائر عن استفادة المصدّرين من تسهيلات وإعفاءات جمركية وامتيازات ضريبية، فيما يجنون أرباحاً كبيرة بالدولار، توضع في حساباتهم المصرفية. أي أن رمضان هو نقطة بداية تغيير داخلي، تريد الدولة الجزائرية الانطلاق تحت رايته لإجراء تعديلات تطال آلية التصدير، واستفادة الدولة من مواردها بشكل اوسع، بدل استفادة التجّار.
وكالزيت والطحين، كذلك في قضية السكّر، ليس أمام لبنان سوى الانتظار. علماً أن “البرازيل تُعَدّ وجهة أساسية لإنتاج السكّر ويمكن للبنان الاستيراد منها”، وفق ما يقوله لـ”المدن” نقيب أصحاب الصناعات الغذائية اللبنانية منير البساط، الذي يقلّل من أهمية أزمة السكّر مقارنة بالطحين والزيت. فبالنسبة له “لا أزمة في السكّر، ويمكن حلّ الموضوع بصورة أسهل من الزيت والطحين”.
تحريك المياه الراكدة لم يتوقّف على المواد الثلاث التي تتصدّر المشهد. بل يحذّر البساط من تداعيات بدء ارتفاع أسعار الكثير من المواد الغذائية. وبالاستناد إلى أحد أصحاب السوبرماركت، فتغيّر الأسعار انسحب إلى الأجبان والألبان التي ارتفعت بنحو 10 إلى 15 بالمئة. وباقي السلع تشهد ارتفاعات متتالية ضمن فترة زمنية تتراوح بين 3 إلى 7 أيام، بحسب حركة الموزّعين وقرار التجّار.
مع أن الخوف يشمل ارتفاع أسعار كافة السلع، إلا أن السلع الثلاث تسيطر على الجوّ العام. لأن أوكرانيا وروسيا والجزائر معنيّون بشكل أساسي بإنتاج القمح والزيت والسكّر، ويسهل التذرّع بالحرب لرفع الأسعار محلياً. لكن تداعيات ما يحصل، ستنسحب على كافة السلع، لا سيّما وأن المحروقات شمّاعة حاضرة دائماً لرفع الأسعار.
وكردّ فعل أوّلي، جال وزير الاقتصاد أمين سلام على بعض السوبرماركت للتأكد من توفّر المواد وخاصة الزيت، وبيعها بالأسعار المنخفضة. وأكد على تشكيل لجنة طوارىء لإدارة الأزمة، وقد تصل الأمور إلى حد مصادرة المواد المخزّنة وتوزيعها على المواطنين. وأشار سلام إلى إمكانية وقف تصدير مواد أساسية من لبنان.