الدكاكين تُديّن الزبائن بـخمس نجوم فقط!

يبدو أصحاب الدكاكين كالذين يقامرون بلقمة عيشهم، ورصيدهم ورأسمالهم وعلاقتهم بأبناء الأحياء التي ينتمون إليها. فقد عوّدوا الناس على الخدمة أمَّا اليوم، فمن يَرَ كيف تلقّفت “أندره” (صاحبة دكّانة في المتن) فاتورة المولّد الكهربائيّ بقيمة ستّة ملايين ليرة، وكيف يسيّرها الغضب إلى استعجال شتم الطبقة السياسية تحت عباءة أشباح العتمة النصفية التي خيّمت على متجرها، يحسب أنَّ البلد على أبواب حربٍ وشيكةٍ؛ إذ تسمعها تهمهم: “بالحرب لم يكن الوضع شبيهاً بما هو اليوم!”. فبعد خمس سنوات على عملها في هذا الدكّان تبكي بحرقة وحسرة لاضطرارها إلى إقفاله الّذي ستسبقه مرحلة تصفية، وتقليص مصروف الكهرباء عبر التقليل من أعداد البرادات، ومن ثمَّ كمّيّة المنتوجات وأصنافها.

الدين لزبائنVIP أي من يُعرَف أنَّهم سيدفعون في نهاية الشهر، وهم أقلّ من أصابع اليد الواحدة؛ إذ يؤكّد جورج (جبيل) – الَّذي تخصّص في المحاسبة ويدير دكّان والده – أنَّ هذا النوع من الزبائن يتّجه إلى المنتوجات الغذائية. وفي إطار انتظاره وظيفةً طال أمدها يتسلّى بعَدّ المال الكثير بالليرة اللبنانية من دون أن يعني ذلك أنَّ الربح صار أكثر، ففي السّابق كان المليون ليرة للمبيع تُقتص منه نسبة أرباح تصل معدّل 700 ألف ليرة، أمّا اليوم، على حدّ توصيفه، فلا تتخطّى الـ 300 ألف. وليس هذا العائق الوحيد الذي يواجهه صاحب الدكّان يوميًاً، بل ثمّة زيادة في التكاليف الَّتي يتكبَّد أعباءها من قبيل سعر الأكياس للتوضيب التي تصل نفقتها إلى حدّ المليون ليرة؛ فإن اشترى الزبون – وفق حساباته – ربطة خبز فقط يخسر البائع، إن احتسب نسبة التكاليف الَّتي تُضاف إلى سعر البضاعة الأصليّ. لذا، فكّر هذا الشاب بالكيفيَّة الَّتي يُوفر على والده، من خلالها، مصروف عامل في المحلّ، فلجأ هو بنفسه إلى القيام بخدمة “ناولني” أي أن يناول أصحاب السيارات الآتية من الخطّ السريع البضائع الَّتي يطلبونها.

ويتشارك أصحاب المحلّات الامتناعَ عن الدين؛ فـ”نعيمة” (جبيل) لا تُقرض لأنَّ التاجر بدوره لا يديّن، بل يريد ماله عدًاً ونقداً، يُضاف إلى كلّ ذلك مصروف المحلّ. وتتحضّر مديرة الدكّان يوميّاً لمفاجأة الأسعار التي تتبدّل وفق سعر الصرف، فحتّى سعر المياه يتغيّر 3 مرات أسبوعياً، فتحمي نفسها بتعديل هوامش الربح بين المنتوجات، علماً أنَّ مشتريات الزبائن تبدّلت من الكماليات إلى الأساسيات.

وفي اتّصال بمصدر رفيع المستوى في وزارة المالية، يُخبر أنَّ معظم الدكاكين لا تصرّح بنتيجة أعمالها وفق قانون ضريبة الدخل الذي لا يستثني إلّا البائع المتجوّل، ومن ثمَّ لا يمكن للدورة الاقتصادية قراءة أرقامها إلّا عندما يتحوّل صاحب الدكان إلى مستهلك بدوره، وهو ما يفوّت على الدولة اللبنانية فرصة الاستفادة من الاقتصاديّات المحلّيّة، فتترك مسألة التسعير في ظلّ انعدام مراقبة وزارة الاقتصاد لضمير مالك المحلّ وحده.

مصدرنداء الوطن - ريتا بولس شهوان
المادة السابقة“العاشوري” في طرابلس بـ140 ألفاً: “عمرنا ما ناكل”
المقالة القادمةحسن: سيتم تصنيع حوالي 25 مليون جرعة من لقاح سبوتنيك في لبنان حتى نهاية العام