الدولة “كوما” والطوافات “خردة” والتصحّر آتٍ آتٍ آتٍ

عكار احترقت. قلوب اللبنانيين تحترق في اليوم الواحد مئات المرات. صفّارات الإنذار تصدح قوية. وشبابٌ يندفعون باللحم الحيّ لنجدة ما تبقى. وأفاعي الجبل الكثيرة المنتشرة في تلك الأحراج فعلت فعلتها. هذه المنطقة خسرت العام الماضي 350 هكتاراً واليوم خسرت كثيراً كثيراً مما تبقى. سناجب عكار إستغاثت كثيراُ ومثلها طيور السمّن. غنية تلك الأرض بالثروة البيئية التي قضت عليها حرائق غير معروف إذا كانت مفتعلة أم طبيعية. الأضرار بالفعل كارثية.

في الأرقام تبلغ مساحة الأرض الخضراء، بحسب “المعلوماتية للأرقام” 3,660 مليون متر مربع، أي ما يشكل نسبة 35 في المئة من مساحة لبنان. وتشير تقديرات البلديات في القرى والمناطق الى ان اكبر مساحة إلتهمتها النيران كانت في العام 2019 وبلغت 41 مليون متر مربع. وبالتالي يصل مجموع المساحة الخضراء التي التهمتها النيران في الأعوام الخمسة عشر الماضية (بين 2006 و2020) ما مجموعه 360 مليون متر مربع أي ما يشكل 9,8 في المئة من المساحة الخضراء في لبنان. وما يحترق لا يعاد تشجيره إلا بنسبة 1 في المئة. الحالة مخيفة. وتكرار هذه الحرائق السنوية يفرض، او كان يفرض، على الحكومات والبلديات التعاون لتوفير الإمكانات اللازمة لمكافحة هذه الحرائق والحد من الخسارة في المساحات الخضراء كي لا يتحول لبنان الأخضر الى صحراء. لكن، على من تقرأ مزاميرك يا يعقوب. طوافات إطفاء الحرائق بيعت خردة. فلا قدرة لدولتنا العزيزة على صيانتها.

مؤسس ورئيس جمعية “الأرض” بول أبي راشد ينطلق من التغيير “البيئي” الكبير الذي طرأ والحياة المدنية التي تغيرت، ايضاً. وما لاحظناه منذ العام 2019 أن الحرائق التي تحصل كارثية في لبنان وأحد أسبابها، كي لا يقول أحد أننا نجلده دائماً، التغيّر المناخي. فالشمس أصبحت أقوى والجفاف أكثر واحتراق اليباس أسرع. فالحرائق كانت تحصل سابقاً على علو منخفض اما الآن فتحدث حتى في الجبال العالية. والعام الماضي وصل الى محمية أرز الشوف. الغابات أصبحت تملك الوقود القادر على إشعالها بسهولة وهو ما لم تنتبه اليه الدولة أو لنقل بالأصح ما تفضل أن لا تنتبه إليه. لأنه يمكنه فعل الكثير حتى في ظل كل المتغيرات.

ما يتحدث عنه أبي راشد يأخذنا للسؤال عن مهام هيئة إدارة الكوارث. فماذا تفعل هذه الهيئة؟ نحن في بلد، بحسب أبي راشد، تدفع فيه الحكومة الملايين لمشاريع مشبوهة مدمرة لكنها لا تدفع 10 آلاف دولار لشراء “بيك آب” الى بلدية فيها غابات” ويستطرد بالقول “نحن كجمعية عرفنا أننا في خطر، حتى ولو لم نكن نملك المال، فقمنا بتصنيع 200 مخباط، والمخباط كما الرفش، يساعد على إخماد الحرائق في بداياتها لا حين تُصبح كارثية. فالحرائق تبدأ عادة صغيرة وتكبر. العدة الأولية ضرورية ولكن كثير من البلديات تفتقر إليها.

الصندوق البلدي المستقل فارغ. وكثير من البلديات لا تملك المعدات الأولية القادرة على إخماد الحرائق ولا عديد الجهاز البشري. نحن في بلدٍ لا نعرف فيه كيف نستبق المشاكل وكل هموم “مسؤولينا” فيه تنصب على المشاريع التي فيها صفقات. فسدّ جنة، على سبيل المثال، كبّد الدولة مليار دولار. ومهندسوه “فلوا” ولم يجمع مياهاً. دفعوا عليه مليار دولار من دون أن يلحظوا الأثر البيئي لإنشائه. بهذا المال المهدور كان يمكنهم تجهيز البلديات بسيارات رباعية الدفع وإنشاء خزانات مياه.

يتابع: “أغلبية الحرائق تبدأ من حرق النفايات في المكبات، فيأتي الهواء ليأخذها الى أماكن بعيدة. وهناك المفرقعات والأسهم النارية أيضاً. إضافة الى المخيمات و”البيك نيك” ويتوجه الى الدولة بقوله: “نحن، وزعنا مخابيط على البلديات اما أنتم فماذا فعلتم؟ هل جهزتم البلديات أقله بنربيج واحد؟ ليس معكم مال؟ فلماذا تقومون إذاً بسدود؟ أنتم عينكم على المشاريع التي تستفيدون منها لا على ما يحمي بيئة وطبيعة لبنان. كثير من غابات عكار إحترقت. والحرائق ستبقى تتربص بنا الى ما بعد تشرين. ألا يقال” بين تشرين وتشرين صيف تاني”؟. اللهمّ أن يبقى اخضرار في آخر غابات لبنان الى حين تستيقظ الدولة وتعرف أن عليها واجبات أبعد من وزارتي العدل والداخلية، و”شو إلي وشو إلك” في الحسابات السياسية البائخة.

 

مصدرنداء الوطن - نوال نصر
المادة السابقةزيادة الأجور… المستحيلة
المقالة القادمةطرابلس تختنق… واتفاقات لتمرير صهاريج مازوت مقابل أموال