بعد انقطاع دام عامين عاد نشاط القطاع السياحي من جديد في لبنان، مشكّلاً جرعة دعم مالي لهذا البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة.
ومؤخراً، كثفت الحكومة من الحملات الدعائية سعياً لجذب أكبر عدد من السياح الأجانب والمغتربين، وما يحملونه من عملات صعبة.
ويعاني لبنان منذ أواخر 2019 أزمة اقتصادية حادة، صنفها البنك الدولي أنها واحدة من بين 3 أشد أزمات عرفها العالم منذ منتصف القرن الـ19.
وأدت الأزمة إلى انهيار مالي، وتراجع غير مسبوق في احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي، فضلاً عن شح بالوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.
وفي يونيو الماضي، أعلن حاكم البنك المركزي رياض سلامة أن احتياطي النقد الأجنبي بلغ 11 مليار دولار، نزولاً من 30 مليارا قبل الأزمة. عودة النشاط السياحي الذي تشهده البلاد حاليا خففت وطأة الانهيار المالي ولو مؤقتاً، إذ تشير التقديرات إلى أن قيمة العائدات بلغت 3.5 مليار دولار حتى الآن.
وطأة الانهيار
ويعتمد قطاع السياحة بلبنان في فصل الصيف على المنتجعات البحرية الخاصة، والمهرجانات الموسيقية التي ترعاها الدولة، فضلاً عن المطاعم والمعارض الفنية، والأنشطة الرياضية.
وفي حديث للأناضول، قال أمين عام اتحاد النقابات السياحية جان بيروتي، إن قيمة العائدات بلغت 3.5 مليار دولار حتى الآن، أي أنها فاقت التوقعات التي كانت تقدر بنحو 3 مليارات دولار.
وأضاف أن “المعطيات تشير إلى أن الموسم السياحي الذي بدأ منتصف مايو الماضي، سيستمر حتى منتصف سبتمبر المقبل وربما إلى ما بعد ذلك”.
وكان وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار، قد توقع في يوليو الماضي أن تحقق بلاده عائدات سياحية تتجاوز 3 مليارات دولار خلال موسم صيف 2022.
وبحسب بيروتي، زار لبنان منذ منتصف مايو الماضي حتى الخامس عشر أغسطس الجاري مليون و200 ألف سائح، 70 في المئة منهم مغتربون أو من أصول لبنانية، بينما 30 في المئة من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة.
ولفت إلى أنه “بالنسبة إلى السياح العرب، فإن الجنسية العراقية تحتل المرتبة الأولى، تليها المصرية ثم الأردنية”، كاشفاً عن “نشاطات إضافية ستوضع ضمن شهر أكتوبر ما يشكل عامل جذب إضافي”.
وبالمقارنة بين الموسم السياحي الحالي والماضي، رأى النقابي اللبناني أنه لا يمكن المقارنة بالعامين الماضيين 2020 و2021 بسبب الإقفال العام الذي كان مفروضاً في العالم بسبب جائحة كورونا.
لكن مقارنة مع عام 2019، فإن الأرقام قريبة وتعتبر مشجعة جداً، والخلاصة أن هذا القطاع هو الوحيد في لبنان الذي يستطيع إدخال العملات الصعبة إلى البلاد بسرعة، ومجهود أقل، بحسب المتحدث ذاته.
تحديات تشغيلية
وحتى عام 2019، كان القطاع السياحي يستحوذ على قرابة 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن يتراجع دون 10 في المئة على وقع جائحة كورونا العالمية، والأزمات السياسية التي شهدها لبنان في العامين الماضيين.
وأشار بيروتي إلى أن القطاع الخاص استطاع أن يحل مكان الدولة في تأمين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والإنترنت وغيرها من حاجات أساسية لاستمرار السياحة في لبنان.
وأردف أنه “في وقت أن الكهرباء التي تنتجها المعامل الحكومية شبه معدومة، فإن المؤسسات السياحية استطاعت تأمين التيار 24 ساعة”.
وقال “للأسف نرى شوارع بيروت والمدن الأخرى مظلمة بسبب انقطاع الكهرباء، بينما المؤسسات السياحية الخاصة تتلألأ بالإضاءة طوال الليل والنهار”.
ولفت إلى أن “غياب الدعم الحكومي خصوصا في مجال تأمين الطاقة، جعل الكلفة كبيرة جداً على القطاع الخاص، الأمر الذي يهدد العديد من المؤسسات ويجعلها عرضة للخسارة والإقفال”.
وأوضح أن “كلفة تأمين الطاقة للمؤسسات السياحية تصل إلى ما بين 30 و40 في المئة من المدخول الإجمالي، في وقت أن هذه التكلفة لا تتعدى 5 في المئة في معظم دول العالم”.
وبسبب شح الوقود المخصص لتشغيل محطات توليد الطاقة التابعة للحكومة، يلجأ اللبنانيون إلى تأمين الكهرباء من خلال المولدات الخاصة بيد أن كلفتها باهظة جداً.
ويضم القطاع السياحي في لبنان حوالي 40 ألف موظف، إلا أن معظمهم غادر لبنان مع بداية الأزمة الاقتصادية، ما دفع بالمؤسسات السياحية إلى استقطاب 40 ألفا آخرين لسد هذا النقص.
وبحسب بيروتي فإن “هؤلاء تم تدريبهم قبل توظيفهم، ويتمتعون اليوم بمدخول مالي مرتفع جداً نسبة إلى الوضع في لبنان، ومقارنة بموظفي القطاع العام (الحكومي)”.
وهكذا فإن القطاع السياحي استطاع أن يكون خشبة خلاص لهذا البلد، وأن يلعب دور “المنقذ” للاقتصاد، بحسب بيروتي.
وكانت وكالة التعاون والتنسيق “تيكا”، افتتحت في يوليو الماضي مكتباً للترويج السياحي وتتبع المعاملات باسم “الشباك الموحّد”، هبةً لوزارة السياحة اللبنانية.