03معالم المرحلة المقبلة بدأت تتضح. فبعد تحول القضاء إلى راع للإجراءات المصرفية “التعسفية”، التي سبق للمصارف ان بدأت بتطبيقها منذ اندلاع الأزمة النقدية. ومع بروز مشاريع قوانين لوضع تدابير مصرفية استثنائية “موقتة” ترسخ مبدأ اللاعدالة، وتزيد الضغط على المواطنين، تتحول حماية المودعين الصغار والحد من التضخم وتخفيض قيمة العملة إلى عوامل يجب وضعها في سلم الاولويات، والاخذ بها في أي خطة مستقبلية.
يبلغ حجم الدين العام 95 مليار دولار، وهو يشكل 175 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. 70 في المئة من الدين هو عبارة عن شهادات خزينة بالليرة اللبنانية، و 30 في المئة سندات “يوروبوندز” بالدولار الأميركي. هذا الدين يترافق مع عجز سنوي في موازنة الدولة يقدر بنحو 5.5 مليارات دولار، وعجز غير معلن في المصرف المركزي بنحو 40 ملياراً، و15 ملياراً عجزاً في الميزان التجاري. أما على الصعيد المصرفي فتبرز: نسبة الدولار الرقمي بأكثر من 50 في المئة من مجمل الدولارات، وحاجة القطاع الى أكثر من 15 مليار دولار متطلبات إعادة رسملة البنوك.
أمام هذا الواقع يرى الخبير المصرفي والمالي نيكولا شيخاني ان “حل الازمة يتطلب 50 مليار دولار تتوزع بمعدل 30 ملياراً لتخفيض الدين العام و 20 ملياراً من أجل رسملة المصارف. وهو رقم لا يمكن تأمينه من المساعدات والقروض الميسرة، ويتطلب الدخول في عملية خصصة داخلية أكثر جدية”.
ينطلق شيخاني من هذه المعطيات لوضع خطوط عريضة لخطة شاملة ترتكز على استخدام الأموال الداخلية لشراء الأصول العامة بهدف توليد سيولة كافية للدولة للحد من ديونها ، وتصفية عجزها وتوطيد النظام المصرفي.
الخطة تنطلق من معالجة ديون سندات الخزينة واليوروبوندز واستعمال الدولار الرقمي (الإفتراضي) الداخلي لمحو الدين بسندات اليورو.
1 – سندات الخزينة ل.ل.
تشكل سندات الخزينة مدخلاً جدياً للحل. فبالإضافة الى كونها بالليرة اللبنانية، فهي مملوكة داخلياً بالكامل، واعادة هيكلتها لا تسيء إلى سمعة لبنان. وبالتالي يجب مقايضة سندات الخزينة بالليرة المملوكة من البنوك بسندات جديدة بفوائد أقل ولفترة زمنية اطول. كما يُعتبر تخفيض العملة المحدود، عاملاً مساعداً في تقليل هذا الدين. ونتيجة لذلك ، سيتم تخفيض العجز الحكومي بأكثر من النصف، في حين يمكن تعويض خسائر فرص الإيرادات للبنوك على مدى العامين إلى الأربعة أعوام المقبلة من خلال إعادة رسملة سنوية سلسة بشكل كافٍ وبأموال جديدة.
2 – معالجة اليوروبوندز $
على الرغم من كون سندات اليوروبوندز مقومة بالدولار، فان الحصة الخارجية من هذه السندات تصل الى 30 في المئة، بعد أن باعت البنوك البعض من سنداتها التي تحملها الى الخارج، مما صعب عملية إعادة هيكلتها. وعليه فإن الحل المفضل هو إعادة هيكلة السندات من خلال SWAPواستبدال السندات المحمولة من جهات خارجية بسندات جديدة ذات استحقاق أطول بكثير، وبمعدل فائدة منخفض للغاية.
هكذا يعمل الصندوق الوطني للإستثمار
أما بالنسبة للجزء المملوك داخلياً من اليوروبوندز، فسيتعين على الحكومة بناء السيولة المطلوبة بالدولار “داخلياً” من خلال آلية خصخصة داخلية لشرائها بالكامل أو إعادة هيكلتها. وذلك عبر:
1 – إنشاء صندوقين سياديين F1 و F2 يمتلكان أصول الدولة (انظر المرفق أدناه):
– سيحتفظ صندوق F1 بأصول الدولة العامة مثل شركتي ألفا وتاتش، المرفأ، شركة الكهرباء وغيرها..
– سيحتفظ صندوق F2 بأصول النفط والغاز المستقبلية.
2ـ إنشاء صندوق خاص واحد هو: الصندوق الوطني للاستثمار “NIF”. يشتري الصندوق حتى 50 في المئة من أسهم الصندوقين الوطنيين F1 و F2 باستخدام آليات مثل PPP أو قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ويعمل الصندوق على مقايضة معظم “الدولارات الافتراضية” بأصول ملموسة ، لتوليد النقد للحكومة وشراء “اليوروبوندز”.
تمويل NIF
سيتم تمويل NIF من خلال مجموعة من الإجراءات التي تحمي المودعين الصغار الذين يشكلون 99 في المئة من مجمل أعداد المودعين، وتشمل:
– مرسوم ضريبة الثروة “الاستثنائي”.
– فائدة سلبية على الودائع بالدولار الأميركي التي تفوق 100 الف دولار.
– استبدال نصف الفوائد التي حصل عليها كبار المودعين في السنوات الخمس الأخيرة إلى أسهم في صندوق الإستثمار الوطني NIF.
– يتحول جميع الممولين في NIF تلقائياً الى مساهمين في الصندوق بشكل متناسب مع مساهمتهم.
بعد ذلك ، يمكن للمستثمرين اللبنانيين والأجانب تمويل NIF بـ “أموال جديدة” حتى يتمكنوا من إعادة رسملة البنوك والاستثمار في الاقتصاد. في المرحلة الثانية، يمكن أيضاً جمع “أموال جديدة” إضافية من خلال القروض والسندات المدعومة من NIF، أو من خلال الاكتتاب العام الأولي (المدرج) لتسريع خطة اقتصادية وطنية جديدة.أهمية NIF
وبحسب شيخاني فان “صندوق الإستثمار الوطني، هو كيان خاص، سيدار من القطاع الخاص اللبناني إلى جانب المؤسسات الدولية رفيعة المستوى “مدراء الصناديق”. وسيوفر ذلك المصداقية والثقة اللازمتين لكل من اللبنانيين والمستثمرين الأجانب الراغبين في الاستثمار في لبنان بشكل مباشر أو عبر صندوق الاستثمار الوطني”. فالمستثمرون سيضمنون إنتاجية أعلى وعوائد صحية للمساهمين من الأصول المملوكة لـ NIF، مع تحسين جودة خدمة المرافق العامة لدافعي الضرائب. خصوصاً ان الصندوق سيوفر قواعد ملزمة محددة لضمان الشفافية والأخلاقيات مثل انعدام تضارب المصالح على أي مستوى، مع المحافظة على الحد الأقصى لقاعدة ملكية المساهمين الفرديين، لضبط مستوى الرقابة وضمان نموذج قرار شفاف جماعي.
الخطة في حال تنفيذها تضمن من وجهة نظر شيخاني “تخفيض الدين العام بحدود 40 إلى 50 في المئة، تصفير العجز، وانعدام الحاجة الى التمويل الخارجي. ويمكن من بعدها الإنطلاق بخطة إقتصادية شاملة فور إصلاح الكهرباء”.