الصين تحطم قطاعها التقني لبناء نموذج تجاري جديد

شرعت الصين في اتخاذ إجراءات صارمة ضد شركات التكنولوجيا المحلية، وقد تسارعت وتيرة تلك الإجراءات خلال الأشهر القليلة الماضية، مما أثار حيرة البعض، وبدأت التكهنات حول دوافع وأسباب تلك الخطوات. ولكن التفسيرات التي قدمها الخبراء حتى الآن تشير إلى غياب الحنكة والدراية، إن تلك الحملة كبيرة الحجم ومن المحتمل أن تشكل نقلة نوعية، وسوف تعيد تعريف كلمة “تقدم” في عالم التكنولوجيا، وستصل تداعياتها إلى كل منحى من مناحي عالم التكنولوجيا. وعلى اقتصادات الشرق الأوسط أخذ هذه المستجدات بعين الاعتبار، خاصة وهي تأمل في تحسين مستوى قطاع التكنولوجيا لديها وأيضا مد جسور الشراكة مع الشركات الصينية.

وفي الأشهر الأخيرة الماضية، أجبرت الحكومة الصينية العديد من الشركات الرائدة على اتخاذ قرارات تؤثر بشدة على سير عملياتها. وكان المثال الأكثر وضوحا هو عندما ألغت بكين الاكتتاب العام الأولي لمجموعة “انت غروب” ودفعت مؤسسها جاك ما إلى الاختفاء لعدة أسابيع. كما استهدفت الحكومة أيضا شركات التكنولوجيا المالية وبدأت في إجراء تحقيقات لمكافحة الاحتكار في شركات مثل تنسنت وبايدو.

يعتقد محلل بلومبرع نوح سميث مع غيره من المحللين أن الأمر مرتبط بقطاع التكنولوجيا العسكرية في الصين، فقد تدفقت الكثير من الموارد (بما في ذلك مهندسين ومبرمجين صينيين موهوبين) إلى قطاع التكنولوجيا الاستهلاكية، وعليه، قد تُفضل بكين إعادة توجيه تلك المواهب والإمكانيات البشرية نحو أهداف وغايات قومية عوضا عن أهداف تجارية. ومن وجهة نظر سميث، أصبح الرابط بين القوة الجيوسياسية وقطاع الإنترنت الاستهلاكي ضعيفا جدا لدرجة يستحيل معها الاستمرار في ضخ رأس المال والعمالة عالية المهارة صوب الإنترنت الاستهلاكي. لذلك، تم اتخاذ القرار للحد من سُلطات تلك الشركات وقدرتها على استغلال تلك الموارد.

لقد بدأ قطاع التكنولوجيا الاستهلاكية في الصين للتو بإحراز تقدم في الأسواق الناشئة حول العالم، ورغم أنه لا يزال متخلفا عن ركب شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، إلا أن الشركات الصينية حققت نجاحا كبيرا في أجزاء من آسيا وأفريقيا وأوروبا، بفضل حجم وعدد المواهب في مجال التكنولوجيا التي تملكها، ويجب أن تكون الدولة قادرة على الاستثمار في احتياجاتها العسكرية مع السماح للشركات الربحية بالتطور بصورة طبيعية، أي أن الصين قادرة على المضي قدما في كلا المسارين من دون أدنى تعارض.

وبدلا من الاستثمار في المزيد من التكنولوجيا التي تركز على مقاطع الفيديو الخاصة بالقطط، فلماذا لا نستخدم تلك المواهب لتطوير الحوسبة الكمومية على سبيل المثال؟ لا يريد قادة الصين أن ينظر إليهم العالم على أنهم مقلدون للغرب، وقد شعروا بالإحباط لأنه على الرغم من التقدم الكبير والضخم في العلوم البحتة والتطبيقية، فإن البلاد تتعرض للسخرية باستمرار بسبب افتقارها إلى التطور العلمي والتكنولوجي وعنصر الخيال.

ويعني ذلك في نهاية المطاف إعادة صياغة قواعد المنافسة، إن قوة شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون لا نظير لها على مر العصور، ولكن إذا أعادت الصين تعريف مصطلح التقدم في التكنولوجيا التجارية، فسيتعين على بقية قطاع التكنولوجيا في العالم أن يشدوا الهمم لمواجهة تناقص العائدات من مقاطع الفيديو الراقصة التي تبلغ مدتها 30 ثانية وألعاب الفيديو القتالية المختلفة، ناهيك عن السماح بنشر المعلومات المضللة باعتبارها جزءا من حرية التعبير التي تدافع عنها شركات وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع “تحطيم” الصين لقطاعها التكنولوجي لتحويل مركز الصناعة، ربما حان الوقت لبقية دول العالم لإدراك ما أدركته الحكومة الصينية، بما في ذلك اقتصادات دول الشرق الأوسط التي رأت مؤخرا التكنولوجيا كبديل مربح لصناعاتها الاستخراجية، وهذا لا يعني تفكيك الشركات، ولكن بناء جسور حوار جديدة حول دور تكنولوجيا المستهلك في المجتمع. ربما تقوم الصين بإعادة تعريف مصطلح التقدم التكنولوجي في هذا العقد الجديد من القرن الحادي والعشرين.

مصدرالعرب اللندنية - جوزيف دانا
المادة السابقةمساع سورية للتغلب على مشكلة نقص الكهرباء بالطاقة المتجددة
المقالة القادمةيفضح تقصير الوزارات والإدارات العامة: ما هو “المرصد الوطني”؟