تتكون العائلة من مجموعة من الأفراد المتقاربين بالنسب والمتفرعين من جد وجدة أو ربما أكثر من جدة في حالة الزواج المتعدد. وتمر العائلة بمراحل أربع:
-1 مرحلة الأسرة: تتكون من الأم و الأب و لأبناء، تربطهم علاقة عاطفية جياشة وتتميز بالحنو والعطف المتبادل ويعيشون غالباً في بيت واحد.
2- مرحلة المصاهرة: تدخل عناصر جديدة ضمن دائرة العائلة عبر علاقات القرابة عن طريق المصاهرة والزواج. تبدأ الأسرة حينها بفقدان الأبناء واحداً تلو الآخر، وتخبو العاطفة شيئاً فشيئاً مع الأيام، وترجع الأسباب الظاهرة إلى نقاط عديدة أهمها:
• الانشغال بالحياة الجديدة، الاستقلال في السكن (بيت غير البيت الذي تربوا فيه)
• دخول عادات جديدة متأثرة بالروابط الجديدة.
-3 مرحلة التفرعات: تتعدد البيوت التي تكون في أماكن منفصلة، تتحول الطفولة إلى مجرد ذكريات مع الأهل، وتتخذ العاطفة من ذكريات الماضي شحنات لتعطي للحياة معنى. فتنشأ عندها شبكة من العلاقات التي تقتصر على الزيارات الأسبوعية والمناسبات.
-4 مرحلة التوسع: يستقل كل فرع بأسرته، وتنمو العائلة ليبدأ بمرحلة المصاهرة في ذلك الجو الذي تسيطر عليه مشاعر الاستقلال والفردية، وما تلبث أن تفتر المشاعر بين الأخوة وتقتصر الزيارات على لقاءات في مناسبات اجتماعية عامة، أما المناسبات الخاصة فيدعون إليها كما يدعى الآخرين.
هكذا هي حال العلاقات العائلية تتأثر بمرور الزمن والأيام، وتبدأ بمرحلة الأسرة، ثم المصاهرة، فالتفرعات، إلى أن تبلغ مرحلة التوسع.
كيف يمكن لتلك العلاقات أن تتأثر باستراتيجية العاطفة في ظل شركة عائلية تجمع تلك الأنواع المتناقضة من العلاقات التي تتبدل بتغير المرحلة الزمنية التي تنتسب إليها.
في المرحلة الأولى يكون للأم الأثر البارز في تقوية التلاحم بين الأبناء والتغلب على مشاعر الحقد التي قد تنشأ بينهم بسبب المواقف اليومية التي يتعرضون لها في الشركة.
في مرحلة المصاهرة يستمر دور الأم والأب وكذلك دور الجدة، الذين يتحولون إلى مركز العاطفة التي يلجأ إليها الشباب للتشكي وهي بدورها تعمل على حل هذه المشاكل وتقوية وشد أواصر القرابة والعاطفة والحب.
في مرحلة التفرعات وعند فقدان الأهل أو الجد والجدة، تقوم العمة أو الخالة بدور مقوي التلاحم وتلعب دوراً مشابهاً لدور الجدة، وقد يكون العم.
أما مرحلة التوسع فتعتبر مرحلة خطيرة لأن التصرفات هنا لا تتأثر بالإرشاد والتوعية من أشخاص يتمتعون بمنزلتهم الاجتماعية في ترتيب العائلة، إنما يتأثرون بما في شخصيتهم من قيم تربوية رسخت فيهم التزامات تجاه إيديولوجيات ومعتقدات، يختفي في هذه المرحلة دور العمة والخالة والجدة وتبقى القيم والمعتقدات التي تعمل على تقوية صلات القرابة والرحم.
برز لنا في المراحل الأربعة التي ذكرناها أن هناك دوراً لقوى ضاغطة تعمل على دوام التلاحم العائلي وقد يتجلى هذا الدور بتشكيلات من الاصطفاف داخل العائلة والشركة، وتنشأ حدود انضباطية مما يدل على أن تلك الأعمال العقلانية تحفزها القيم، والعادات، والانفعالية، أو التمثل الواضح للأهداف المبتغاة.
تعمل القيم العائلية على ضبط إيقاع التصرفات والسلوك، وتعيش هذه العلاقات أطواراً تتسم بالحدة والتوتر أحياناً، وبالإشباع أو الحرمان أحياناً أخرى. وتتخذ نظرية الإشباع العاطفي صورة إعلاء قيمة الذات وحفظها، بناءً على الاحترام والصدق والمحبة والتعاون.
ولا يمكن أن نتجاهل دور المعتقدات لما لها من تأثير في حياتنا الاجتماعية وفي تجارتنا وأعمالنا وحتى علاقاتنا مع الأهل والأقارب، فقد يكون لمعتقد معين هدف في تحقيق المنفعة الاجتماعية، ليس هذا فحسب فإن المعتقدات تؤثر بشكل مباشر على التلاحم بين الفاعلين، كما أن لها وظيفة رمزية تساهم في تجديد التفاعل، مثل الاعتزاز بتاريخ العائلة وأمجادها.
قد تتعارض المشاعر في الشركة العائلية بين أصحاب القرار والشخصيات المؤثرة، ويعتبر هذا الأمر طبيعياً نظراً للتمايز في مستوى الفهم والإدراك بين شخص وآخر. وتبدو استراتيجية العاطفة في المرحلة الأولى أكثر شفافية ووضوحاً، وقد يشوبها قليل من الغموض في المرحلة الثانية، لكننا وكلما ابتعدنا عن الجيل المؤسس، خبت المشاعر العاطفية وبرز دور القيم والمعتقدات بشكل أكبر. أما في مرحلة الجيل الثالث فيبدو لنا أن الموقف لا يشبه سابقاته، إذ تتجلى مواقف تخلو من المحاباة والمسايرة تجاه بعض الايديولوجيات.
وفي النتيجة لا بد أن نذكر أن العائلة التي تمتلك شركة ناجحة تمكنت من توظيف علاقات القوة والسيطرة في إطار اقتصادي اجتماعي، كما اتخذت القيم العائلية صورةً تجسدت في العمل الجماعي المنظم (الشركة العائلية). أما العائلات التي لم تستطع أن توظف علاقاتها بأبنائها للعمل المنظم، أو فشلت بهذه المهمة، فكانت النتيجة فشل الشركة العائلية وانهارت بموت مؤسسها، وبالتالي لم يتحقق النظام التسلسلي الذي يقضي بانتقال الموروث المعرفي والإرث إلى الجيل التالي.
تبرز أهمية دور العائلية في عملية انتقال السلطة وإعداد الخليفة أو الخلفاء، وأساليب تحفيز الأفراد على التجدد والإبداع، إن عملية الترسيخ للمعتقدات والقيم، تنظم العمل الذي يشمل التناقضات، نظراً لتعدد الأدوار التي يقوم بها الفرد. الأمر الذي يتطلب عدم المزج بين العاطفة والعميل وعدم تجاهل مبدأ الكفاءة، وتعد من الأمور التي تعتبر سلبية في إدارة الشركة.
أما الخلافات والصراعات بين الأخوة والتي كان لها نتائج سلبية على الشركة، كما تبين لنا من خلال المقابلات، فإن مشاعر البغض والكراهية التي نشأت جراء العمل معاً، لم تنشأ من عدم، فهي نتيجة تراكمات نتجت عن سوء توزيع الأرباح وإدارة المال، وعدم ترشيد استخدامه في حالات محددة، وحالات أخرى تتعلق بحجم الشركة الذي لم يكن ليستوعب كل الأبناء.
في مرحلة الانضمام إلى العمل، ومرحلة العمل معاً، نجد أن تحقيق الانسجام بين الأخوة قد يشكل عاملاً أساسيًا للانضمام إلى الشركة أو التغريد خارج السرب. وفي نظرة فاحصة للسلوك الفردي ضمن نسق العائلة والشركة، نستطيع أن نتبين ذلك لأن “تطابق المصالح لا يكفي من أجل تأسيس ونجاح عمل جماعي”. حتى في الحالة التي يكون فيها وعي المصلحة العامة حاضراً، قد يحصل ألا يقوم الأفراد المعنيون بعمل جماعي ناجح. وهذا ينطبق على حالة الأفراد الذين يريدون بيع حصتهم والاستقلال عن الشركة، ربما لأنهم لم يستطيعوا الاندماج في سياسة الشركة، أو لأن الأرباح غير مرضية، بالإضافة إلى انعدام الدافع الشخصي، وحجم الشركة غير الجاذب، أو أن العمل الجماعي يشكل عامل طرد بالنسبة لهم. لقد تبين لنا أن أفراد العائلة لا يعملون جميعهم في الشركة العائلية. كما أن ثمة أفرادًا فضلوا العمل بشكل إفرادي.
إن العمل الجماعي والتنظيم أمران متكاملان لأن بنية الشركة هي نتاج عمل جماعي من داخل نطاق العائلة وخارجه. وهي تنظيم إداري مثل باقي التنظيمات الإدارية، وتكمن في داخلها بذور التحولات والتبدلات بفعل الزمن.
ومما لا شك فيه أن كل تنظيم اجتماعي يملك آليات ليدافع عن نفسه، وليحافظ على ديمومته أمام التفسخ والانهيار. ذلك أن العائلة تلجأ إلى الموروث الثقافي مثل القيم والمعتقدات للمحافظة على كينونتها. وكذلك يلجأ نظام الشركة إلى تطوير آلياته واغتنام الفرص وإعلاء شأن المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية.
*مقتطفات من رسالة الدكتوراه التي تمت مناقشتها في الجامعة اللبنانية بتاريخ 2016/10/10