العالم يطمع بـ«حلول عربية» للفكاك من «الكارثة الأوكرانية»

خلال الأيام الماضية، وتحديدا الأسبوع الأخير، لم تتوقف الجولات المكوكية التي يقوم بها كبار المسؤولين من مختلف الدول شرقا وغربا إلى المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط، بحثا عن حلول للكارثة الأوكرانية التي تبدو كقنبلة منزوعة الفتيل تهدد الاقتصاد العالمي برمته.

فتارة نرى سعيا يابانيا لتأمين مصادر الطاقة، وأخرى نشهد طلبات أوروبية مماثلة، أو مناشدات أميركية لمحاولة إنقاذ الموقف… وفي المقابل فإن المواقف العربية الواضحة تصب جميعا في خانة «عدم الانحياز وسط الصراع» و«أولوية ضمان أمن أسواق الطاقة العالمية» و«الحفاظ على توازنات للعلاقات مع مختلف الأطراف».
الإصرار الأميركي على تقليم أظافر الدب الروسي عقب غزو أوكرانيا لا يخفى على أحد، كما أن مساعي واشنطن لحشد أكبر قدر من الحلفاء تضعها في بؤرة المسؤولية عن تأمين هؤلاء الحلفاء، خاصة على خط المواجهة الرئيسي في أوروبا ضد أي مخاطر طاقوية خلال قادم الأيام.

هذا التوجه شهد ذروته خلال الأيام الأخيرة مع تكثيف خاص لمحاولات حظر وخنق صادرات الطاقة الروسية كأقوى الأسلحة الغربية في مواجهة روسيا، لكنه سلاح غاشم، إذ إن أوروبا والعالم بشكل أوسع مهدد بفقدان مصدر للطاقة لا يمكن – نظريا حتى الآن – تعويضه.

وحذرت الوكالة الدولية للطاقة الأسبوع الماضي من أن تباطؤ النمو عقب الحرب على أوكرانيا، قد يؤدي إلى خفض الاستهلاك العالمي بـ1.3 مليون برميل في اليوم في الفصول الثلاثة الأخيرة من العام… إلا أنها أشارت أيضًا إلى أن الاضطرابات التي تؤثر على عمليات التصدير الروسية قد تُحدث «صدمة عالمية للعرض»، ما سيحرم السوق العالمية من ثلاثة ملايين برميل في اليوم، وقد ترتفع هذه الكمية إذا أصبحت العقوبات المفروضة على موسكو أكثر صرامة. وقالت الوكالة الجمعة إن الاجتماع المقبل لأوبك وحلفائها ضمن تحالف أوبك+ المقرر في 31 مارس (آذار)، قد يسمح بـ«تهدئة السوق».

التوجه الغربي نحو المنطقة بدأ بشكل جلي منتصف الشهر الجاري، مع زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للسعودية، ومناشدته ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال لقائهما، بالعمل على زيادة الإنتاج لتهدئة الأسعار والمخاوف… حيث ناقشا «تطورات الأوضاع في أوكرانيا» بينما تسعى أوروبا لتقليل اعتمادها على الخام الروسي.

وبحسب مكتب جونسون، تشكل الإمارات والسعودية أكبر شريكين اقتصاديين للمملكة المتحدة في المنطقة، إذ بلغت قيمة التبادل التجاري نحو 15.9 مليار دولار مع أبوظبي و13.9 مليار دولار مع الرياض في 2020، فيما تمثل الواردات الروسية 8 في المائة من إجمالي الطلب على النفط في المملكة المتحدة.

وفي ختام اللقاء، أكد جونسون أن السعودية «متفهمة الحاجة لاستقرار أسواق النفط والغاز العالمية»، لكن دون التطرق إلى أي اتفاق حول زيادة الإنتاج… وهو ما يظهر أنه تأكيد على سياسة المملكة المعلنة في الحفاظ على أمن أسواق الطاقة مع الحفاظ أيضا على قوام تحالف «أوبك بلس»، والذي بدوره يحفظ أمن الطاقة العالمية بشكل كبير. وهو ذات المفهوم الذي وصله جونسون خلال زيارته إلى الإمارات في اليوم السابق.

المقاومة الأساسية للمشروع الأميركي – البريطاني تأتي من ألمانيا شديدة الاعتماد على الغاز والنفط الروسي، بما يعني أن فقدانهما قد يهدد – لا فقط الصناعة الألمانية التي تعد أهم عضلات البلاد الاقتصادية، لكنه يهدد أيضا سكان البلاد بالموت بردا في بيوتهم. وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية يوم الاثنين إن ألمانيا لا تزال على موقفها بأنها لا تستطيع الاستغناء عن واردات النفط الروسية، وذلك في ظل المناقشات التي يجريها الاتحاد الأوروبي حول فرض مزيد من العقوبات على موسكو.

ووسط الاهتمام الأوروبي، دخلت اليابان على الخط، وقال بيان لوزارة الخارجية الإماراتية يوم الاثنين إن وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد ناقش مع نظيره الياباني يوشيماسا هاياشي في أبوظبي جهود تحقيق الاستقرار والتوازن في أسواق الطاقة والغذاء العالمية في ضوء تطورات الأزمة الأوكرانية.

وقال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الأسبوع الماضي إنه اتفق مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على العمل للمساهمة في تحقيق استقرار سوق النفط العالمية بعد أن أدت الحرب الأوكرانية إلى اضطراب السوق، والذي عزز أهمية مصدري الخام الخليجيين لمستوردي الطاقة مثل اليابان… وتستورد اليابان قرابة ثلث حاجاتها النفطية من الإمارات.

في أقصى الغرب العربي، رفضت الجزائر الأسبوع الماضي طلبا قدمته الولايات المتحدة، من أجل إعادة تشغيل خط أنابيب الغاز المتوقف باتجاه إسبانيا، فيما كانت واشنطن تأمل أن تساعد هذه الخطوة في خفض اعتماد الأوروبيين على إمدادات الطاقة الروسية.

وبحسب إذاعة فرنسا الدولية، فإن السلطات الجزائرية رفضت مؤخرا إعادة تشغيل هذا الخط الذي يمر عبر المغرب، وجرى الإعلان عن وقفه إثر توتر العلاقات مع الرباط، في نهاية 2021. وذكرت الإذاعة الفرنسية نقلا عن مصادر جزائرية، أن واشنطن طلبت إعادة تشغيل خط أنابيب الغاز خلال الزيارة التي أجرتها نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان مؤخرا، إلى كل من مدريد والرباط والجزائر. لكن الجزائر التي تمد الدول الأوروبية بـ11 في المائة من واردات الغاز، لا تريد زيادة الكمية في الوقت الحالي. وأضافت الإذاعة أن الجزائر تتعامل مع الملف الأوكراني بـ«حذر كبير»، في إطار الحرص على العلاقات القائمة مع موسكو، ورفض الاصطفاف مع الغرب في الأزمة.

مصدرالشرق الأوسط - أحمد الغمراوي
المادة السابقةلاغارد: روسيا تستخدم العملات الرقمية للالتفاف على العقوبات
المقالة القادمةإطلاق أول صندوق استثمار إسلامي لتمويل الشركات الناشئة في الخليج