العودة إلى الينابيع: طوابير للمياه أيضاً!

أمام عين مياه في بكفيا، يشرح أحد الشبان كيف يتوزّع أفراد العائلة على الطوابير: «أخي الأكبر يتفرغ لطابور البنزين، أبي للصيدليات، أمي للأفران وأنا للمياه»! مدة الانتظار لا تقلّ عن ساعة وأحياناً ساعتين، «ولا يوجد توقيت مثالي للتعبئة. العجقة تستمر من الصبح حتى المساء، وليلاً يكون الازدحام أكبر لأن الطقس يصبح أكثر برودة».
على العين لوحة تتضمّن إرشادات للبلدية، عُلّقت منذ ما قبل الأزمة، تحدد العدد الأقصى من الغالونات التي يُسمح بتعبئتها. لكن الكل يأتون محمّلين بما يمكن لصندوق السيارة أن يتسع له من «غالونات» للتمون لأطول مدة ممكنة

ظاهرة طوابير المياه أمام الينابيع برزت منذ حوالى شهرين مع ارتفاع أسعار المياه المعبّأة، ليتخطى سعر صندوق المياه (6 زجاجات سعة الواحدة منها ليتران) الـ 20 ألف ليرة، وهي كمّية لا تكفي لاستهلاك يوم واحد لعائلة من 4 أفراد، إذا ما استُخدمت للشرب فقط. لذلك، تقول إحدى المنتظرات: «بدأنا نستخدم مياه العين للطبخ وتحضير القهوة والشاي. وهذا استهلاك يومي كبير. كنت سابقاً أشتري غالون المياه سعة 6 ليترات بـ 3500 ليرة. اليوم سعر الغالون يتخطى الـ 10 آلاف ليرة».

بحسب الباحث في البيئة المائية، الدكتور كمال سليم، «لا يمكن حصر عدد الينابيع الملوّثة ولا نسبتها. ولا توجد إحصاءات دقيقة أو شاملة تتناول واقع الينابيع كافة في لبنان. كل النسب والأرقام المتداولة لا تخرج عن إطار التقديرات والتكهّنات. لكن المؤكّد أن التلوّث كبير جداً والمشكلة لم تعالَج منذ عقود».

الدكتور منذر حمزة، رئيس مختبر ميكروبيولوجيا الصحة والبيئة (المعهد العالي للدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا وكلية الصحة العامة – الجامعة اللبنانية) يلفت إلى أن «مشكلة تلوث المياه في لبنان عمرها عقود وتتفاقم من دون أي معالجة. مطلع التسعينيات أجرينا ككلية صحة في الجامعة اللبنانية دراسة على عدد كبير جداً من الينابيع في شمال لبنان وغطينا كافة المستويات من حيث الارتفاع عن سطح البحر، لتبيان مدى تلوثها الجرثومي، أي تلوثها بالمادة البرازية سواء كانت بشرية أو حيوانية. وكانت النسب جداً عالية، حتى لجهة الينابيع التي تقع على مستويات عالية عن سطح البحر. ومنذ ذلك التاريخ، نحن في انحدار متواصل».

ومعلوم أن لاستهلاك المياه الملوثة انعكاسات خطيرة على الصحة، خصوصاً في ظل انقطاع الأدوية والكلفة العالية للفحوصات ودخول المستشفيات. ويوضح الدكتور ميشال مهنا، الأخصائي في الجهاز الهضمي والتنظير أن «أبرز الأمراض التي تتسبّب بها المياه المبتذلة بالمجارير أو الصرف الصحي هي السلمونيلا، التيفوئيد، الطفيليات، الديدان، أمراض التهاب الكبد الوبائي، التهاب جرثومة المعدة، التهاب العيون وغيرها». ويلفت إلى أن «أعراض الشرب من المياه الملوثة يمكن أن تظهر خلال 24 ساعة فقط». أما في ما يختص بطرق المعالجة الشعبية كغلي المياه أو وضعها تحت أشعة الشمس، يشدّد مهنا على أن «الغلي أضمن للقضاء على الجراثيم لكنه يؤدي إلى خسارة كافة العناصر المعدنية للمياه. أي أن الناس سيشربون في هذه الحالة الأوكسيجين والهيدروجين فقط وهذا خطأ لا يجب القيام به.

مصدرجريدة الأخبار - رضا صوايا
المادة السابقةالبنزين للشبيحة… وللمواطن بـ 500 و700 ألف و”إذا مش عاجبك خليك مقطوع”
المقالة القادمةربع إشارات السير في بيروت معطلة