الغاز تحول إلى سلاح في الحرب بين روسيا والغرب

انقطع التيار الكهربائي عن مجلس النواب في بلد ثالث أقوى اقتصاد بالعالم، وشمل الانقطاع مباني عامة ومعالم في العاصمة الألمانية برلين بسبب أزمة الطاقة.

وسادت حالة من الظلام ليلة الجمعة مرة أخرى في مجلس نواب الولاية في حي وسط برلين.

وهناك مؤسسات أخرى مثل كاتدرائية برلين أو حديقة لوستجارتن فقد استمر انقطاع التيار فيهما منذ يوم الأربعاء الماضي، ومن المتوقع أن يحدث ذلك في مبان أخرى.

وأعلنت إدارة مجلس الشيوخ أنها مسؤولة عن 200 مبنى لم تعد مضاءة في الليل، ويشمل ذلك أيضا عامود ساحة النصر، وقاعة المدينة الحمراء وقصر شارلوتنبورغ.

الوقوع في الفخ

الحفرة التي حفرتها دول الغرب للإيقاع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحولت فجأة إلى فخ أوقع الغرب فيه نفسه.

هذا ما رآه الكاتب البريطاني، سيمون جنكينز، في مقال نشرته صحيفة الغارديان واسعة الانتشار، العقوبات الغربية على روسيا وفق جنكينز أتت بنتائج عكسية وعززت من قوة بوتين.

وقال جنكينز، وهو كاتب عمود في الصحيفة البريطانية، إنه يمكن “تبرير المساعدات العسكرية لأوكرانيا” من الدول الغربية لاستخدامها في وجه روسيا، لكن “الحرب الاقتصادية غير مجدية ضد النظام في موسكو”، على حد قوله.

وأضاف أن العقوبات الغربية ضد روسيا أتت بنتائج عكسية وهي من أكثر السياسات غير المدروسة في التاريخ الدولي الحديث.

ومستعرضا النتائج السلبية للعقوبات على موسكو، قال جنكينز في مقاله، إن “أسعار الطاقة العالمية ترتفع بشكل كبير والتضخم آخذ في الارتفاع وسلاسل التوريد في حالة فوضى وملايين الناس محرومون من الغاز والحبوب والأسمدة، ومع ذلك، فإن همجية بوتين تتصاعد وكذلك قبضته على شعبه”.

وكتب جنكينز أن “الزعيمين البريطانيين ليز تراس (وزيرة الخارجية ) وريشي سوناك (وزير الخزانة السابق) يتنافسان في الخطاب العدائي، ووعدا بتشديد العقوبات دون كشف الهدف ولو بكلمة واحدة. ومع ذلك، إذا ألمح المرء إلى شكه في هذه السياسات، فسيُنظر إليه على أنه مؤيد لبوتين ومعارض لأوكرانيا”.

وتابع أن “حقيقة العقوبات على روسيا هي أنها تستدعي الرد. بوتين حر في تجميد أوروبا هذا الشتاء، وقام بخفض الإمدادات الرئيسية من النفط مثل نورد ستريم 1 ما يصل نسبته إلى 80 في المئة”.

ولفت إلى أن أسعار النفط العالمية ارتفعت بشدة وتوقف تدفق القمح وغيره من المواد الغذائية من أوروبا الشرقية إلى أفريقيا وآسيا تقريبا.

وقال أيضا إن “فواتير الغاز الداخلي ببريطانيا ارتفعت 3 أضعاف خلال سنة، والمستفيد الرئيسي هو روسيا، التي زادت صادراتها من الطاقة إلى آسيا، وحققت فائضا غير مسبوق في ميزان المدفوعات”.

كما نوّه إلى أن العملة الروسية “الروبل” باتت واحدة من أقوى العملات في العالم هذا العام بعد أن ارتفعت قيمتها منذ يناير الماضي بنحو 50 في المئة.

وأشار إلى أنه رغم تجميد الأصول الأجنبية لموسكو ومعاقبة الأوليغارشيين المقربين من الرئيس، فإنه لا يوجد ما يشير إلى أن بوتين يهتم، فليس لديه ناخبون ليثيروا قلقه.

ومضى قائلا إن “الترابط بين اقتصادات العالم، الذي يُنظر إليه على أنه أداة سلام، أصبح سلاحًا في الحرب”.

وكتب “سأكون مفتونًا بمعرفة ما إذا كان قد تم تقديم أي ورقة إلى حكومة بوريس جونسون تتنبأ بالنتيجة المحتملة للعقوبات الروسية على بريطانيا”.

وأضاف الكاتب البريطاني أن “الغرب وشعبه انزلقا إلى ركود. اهتزت القيادة وانتشر انعدام الأمن في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة”.

ونجح بوتين في تحوّل الغاز الطبيعي إلى سلاح في الحرب بين روسيا والغرب منذ غزت قوات موسكو أوكرانيا في 24 فبراير.

وكانت البداية مع إعلان المستشار الألماني أولاف شولتس تعليق مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2 مع روسيا ردا على اعتراف موسكو بمنطقتين انفصاليتين في أوكرانيا.

ولطالما كان المشروع يثير التوتر بين برلين من جهة، وحلفائها في أوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى، جرّاء تخوّفهم من أنه سيزيد اعتماد ألمانيا على إمدادات الطاقة الروسية.

كما تخشى أوكرانيا من أن تخسر العائدات التي يدرها نقل الغاز في حال تشغيل خط أنابيب نورد ستريم 2 الذي يوصل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق.

ابتزاز

ومع بداية الاجتياح الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، غزت روسيا أوكرانيا. وارتفعت أسعار النفط والغاز نتيجة المخاوف من إمكانية تراجع الإمدادات.

وفي الثاني من مارس، حظر الاتحاد الأوروبي سبعة مصارف روسية من نظام “سويفت” للتحويلات المصرفية.

لكنه استثنى مقرضَين رئيسيَين على ارتباط وثيق بقطاع الطاقة، ما يعكس اعتماد عدة دول في الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي.

وسرعان ما دخلت الولايات المتحدة على الخط، عندما أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن في الثامن من مارس قرارا يقضي بحظر واردات النفط والغاز الروسية الموجّهة إلى الولايات المتحدة. وقال الاتحاد الأوروبي إنه “سيخفض وارداته من الغاز الروسي بنسبة الثلثين هذا العام بينما أكدت بريطانيا أنها ستوقف وارداتها من الطاقة الروسية بشكل تدريجي بحلول نهاية العام 2022”.

الرد الروسي جاء سريعا، في 23 مارس، إذ حظر بوتين على الزبائن الأوروبيين للغاز الروسي تسديد فواتيرهم بالدولار واليورو، ردا على تجميد احتياطات من العملات تملكها روسيا في الخارج تبلغ قيمتها حوالى 300 مليار دولار. وأعلن أن موسكو لن تقبل بعد الآن غير الدفعات التي تتم بالروبل من الدول “غير الصديقة”، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي.

بدورها، حذّرت المفوضية الأوروبية دول الاتحاد الأوروبي من أن تسديد الدفعات بالروبل سيشكّل انتهاكا للعقوبات الدولية المفروضة على موسكو.

ووافقت واشنطن على تزويد أوروبا بـ15 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي المسال هذا العام.

وفي أبريل، قطعت مجموعة “غازبروم” الروسية إمدادات الغاز عن بلغاريا وبولندا، في خطوة وصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بـ”الابتزاز”. وأفادت بأن البلدين العضوين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يحصلان الآن على الغاز من جيرانهما في الاتحاد الأوروبي.

وفي 21 مايو، قطعت روسيا الغاز عن فنلندا التي رفضت الدفع بالروبل وأثارت حفيظة موسكو بطلبها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

وقطعت روسيا الإمدادات أيضا عن هولندا والدنمارك ردا على رفضهما الدفع بالروبل.

وفي مايو، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على وقف معظم واردات النفط الروسية بحلول نهاية العام لكن من دون فرض حظر على الغاز الروسي.

وفي منتصف يونيو، خفضت “غازبروم” بشكل كبير إمدادات الغاز اليومية إلى ألمانيا عبر خط أنابيب نورد ستريم، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

وفي 23 يونيو، تحرّكت ألمانيا أكثر باتّجاه تقنين الغاز، ورفعت درجة التأهب حيال الإمدادات إلى الدرجة الثانية من مقياس مكوّن من ثلاث درجات.

وما كان من روسيا إلا أن أعلنت في 11 يوليو عن بدء “غازبروم” عمليات صيانة دورية مدتها 10 أيام لخط أنابيب نورد ستريم 1، ما أدى إلى انخفاض في إمدادات الغاز إلى أوروبا.

وبعد أسبوع، وقّع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية مع أذربيجان لمضاعفة واردات الغاز من الدولة المطلة على بحر قزوين إلى أوروبا. كما لجأ التكتل الذي يضم 27 دولة إلى بلدان غنية بالنفط مثل قطر والنرويج والجزائر للتعويض عن النقص في الطاقة.

وفي 20 يوليو، حضّت المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء على خفض الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة 15 في المئة على مدى الشهور المقبلة لضمان مخزونات الشتاء.

وفي 25 يوليو، أعلنت “غازبروم” أنها ستخفض الإمدادات بحوالي 20 في المئة من إمكانيات خط الأنابيب اعتبارا من الأربعاء بسبب “مشكلة تقنية” في إحدى التوربينات. وقالت الحكومة الألمانية بدورها إنه “ما من سبب فني” للخطوة.

وفي 30 يوليو، أعلنت غازبروم أنها أوقفت شحنات الغاز إلى لاتفيا “بسبب انتهاك شروط تسلم الغاز”.

الآن وبسبب العقوبات الغربية وردود موسكو عليها ليس أمام ألمانيا ودول أوروبا المتعطشة للغاز، كما يقول جنكينز، سوى الرقص على أنغام فلاديمير بوتين، بينما تكاليف المعيشة آخذة في الارتفاع في كل مكان.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةشركات النفط الأميركية تحقق أرباحاً هائلة وسط انتقادات من بايدن
المقالة القادمةلبنان في خضم أزمة اقتصادية هي الأسوأ عالميا منذ عام 1850