القمح ينتصر على النووي في الحرب العالميّة الثالثة والعقوبات لقمةٌ من أفواهِ الجائعين

نظرة واحدة الى شريط الأحداث العالميّة تؤكد اننا لسنا على أبواب حرب ثالثة، بل نحن قد دخلناها ونعيش فصولها منذ أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. وما حرب العراق وأفغانستان والدول العربيّة، مروراً بكورونا، وصولاً وليس آخراً الى اوروبا الملتهبة، ما هم الا فصول “الحرب العالميّة الثالثة”. هي حربٌ بنكهة أخرى. ليس فيها رائحة للبارود كما الأولى والثانية، انما رائحة القمح والنفط والعقوبات، وهي أفتك وأدهى من مدافع “هاوترز” “وشنايدر” موديل 1917، وهي قادرة على قتل الملايين، حربٌ ثالثة أدواتها انابيب النفط والرغيف وعنوانها” التجويع” أخطر انواع الحروب.

ورغم اختلاف أدوات الحرب الثالثة، فإن الأسباب هي نفسها، منذ حروب القرن الخامس عشر وحتى اليوم، تتمحور حول قطع اسواق التجارة بين البلدان. فالحرب الأولى التي اندلعت إثر مقتل ولي عهد النمسا عام 1914، كانت أهمّ أسبابها صراع نفوذ تجاري واستراتيجي بين فرنسا والألمان في المغرب العربي، ووقعت الحرب بعد سنوات قليلة من إرسال ألمانيا الطرّاد البحري “بانثر” إلى ميناء أغادير المغربي.

في الثانية، حاصر الأوروبيّون ألمانيا، قاطعوها اقتصادياً، فما كان من هتلر الا ان مزّق معاهدة موسكو 1939 وهاجَمَ أوروبا انطلاقاً من بولندا.

في الثالثة اليوم، لا يبدو الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ صاحب برنامج استعادة عظمة دور ​روسيا​ في العالم، “وإن رغب بذلك”، لم يزجّ نفسه في حرب مدمّرة على جارته، انما الغرب زجّ اوكرانيا منذ سنوات، فنجح في زرع الفساد فيها، فأصبحت في المراتب الأولى عالمياً في الفساد، كما نجح في تفكيك الكنيسة الأوكرانيّة عن أمّها الروسية، وشحنها بوقود من الوعود وبرامج دوليّة، وتخلّوا عنها في يوم القيامة.

ولما أصبحت أوكرانيا على شفير التقسيم، سارع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للإتصال بموسكو معرباً عن عدم اكتراثه بعضوية حلف الناتو، وعارضاً للحوار دون شروط مسبقة. هذا في الشأن العسكري الذي بدا واضحاً ومعلَناً. انما القصة ليست قصة رمّانة، انما برامج عالميّة “مليانة” بأسواق غاز ونفط وقمح. “فمن يشتري ومن يبيع”؟!.

التاريخ يعيد نفسه اليوم في سيناريو أسباب الحروب العالميّة، ولكن مع لاعبين جُدد، مثل الصين، إيران، باكستان، الخليج، الهند وفنزويلا وحتى لبنان، الذي من الممكن ان يكون “غازه” أداة وقود لحرب “المجاعة”.

اندلعت الحرب، وانطلقت حملات العقوبات بين الشرق والغرب. فالولايات المتحدة التي وجدت نفسها قادرة على إركاع روسيا، قابلها ردّ صيني معلناً انه سيشتري الغاز الروسي. وانطلقت حملة عقوبات روسية تجاه الولايات المتحدة. امتنع بوتين عن بيع النفط لأوروبا وانطلق خط أنابيب “سيبيريا” من روسيا الى الصين عبر البحر الجنوبي، ما أدّى الى ارتفاع جنوني للنفط في اوروبا، فسارع الرئيس الأميركي جو بايدن الى لاسترضاء “عدو الأمس” الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، للتزوّد بالغاز، فبدا في المشهد العالمي صورة لعقوبات عالميّة على خطّين معاكسين، لن يخرج أحد خاسر فيها. الا أوروبا الغربية المستهلكة حيث باتت القارة العجوز تحتضر بالطاقة.

الكل رابح في عملية البيع والشراء، حتى اوروبا الغربيّة الخاسرة اقتصادياً، تربح اليوم. وجدت نفسها تحتضن الملايين من المهاجرين الأوكران الجدد، وهي مُجبرة على استضافتهم وتكريمهم، كونهم “بيض وذوي عيون زرقاء”، “بحسب اللغة الإعلاميّة المحكيّة اليوم في اوروبا”، التي وجدت ربحاً في عملية اللاجئين الأوكران، إيماناً منها بتغذية عنصر البشرة البيضاء على القارة التي تلوّنت في العقود الأخيرة بألوان العالم الإفريقي والعربي. هي عنصرية سيّاسية هدفها المحافظة على لون المواطنين الأوروبيين. وقد قالها علناً المرشح اليميني المتطرّف للانتخابات الرئاسيّة الفرنسية “إيريك زيمور”، ان “العرب” غير مرحّب بهم، إنما الأوكران فأهلاً وسهلاً.

الغلاء الفاحش للنفط وحّد العالم، من اوروبا الى اميركا وكل دول العالم. وها هو قد بدأ بالإرتفاع بشكل جنوني، وارتفع سعر القمح، ومصر أولى الضحايا، التي لم تستطع حتى اليوم إبرام صفقة مربحة… وسوريا التي كانت تمتلك “بنكا” للحبوب في العالم، احترق قمحها بفعل القصف الإسرائيلي وخسرت مخازنها في القصف الأميركي عام 2021، وهي تلملم قوتَها في مواجهة المجاعة التي بدأت تدبّ في معاجن الأفران. اما الشعب اللبناني المتباكي بفضل انتقائه لزعمائه، يستذكر قول الكاتب الكبير “جبران خليل جبران” ، “ويل لأمّة تأكل مما لا تزرع”.

الحرب العالمية الثالثة، لن تكون حرباً نووية على الإطلاق، كما يشيّع البعض، لأن النووي أصبح اليوم بمتناول يد كل الدول، وهو “فزّاعة” عند الحاجة. وكل الذين يمتلكونه يعرفون أنهم خاسرون إذا استخدموه. انما هناك حرباً بيولوجية بدأت تظهر الى العلن منذ “كوفيد19” حتى اليوم، وصولاً اليوم الى اكتشاف روسيا لمنشآت الأبحاث البيولوجية في أوكرانيا، والتي اعترفت بها الولايات المتحدة، وبدأت عمليّة نقلها بدِراية الى أميركا، لأنها أخطر من وباء كورونا، بحسب معلومات حصلت عليها “النشرة”.

ويبقى السؤال، الى أين ستفضي الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة؟ لكن التوقّعات ترجّح ان تنتهي بإتفاقية بين الطرفين، يخرج منها الروسي رابحاً، بأن تكون أوكرانيا منزوعة السلاح. ويبقى مصير الرئيس الأوكراني القلق على مستقبله وعلى حياته، لأنه أداة منفّذة في يد “الناتو”، وحاله كحال الرئيس اليمني عبد ربّه منصور هادي، الذي يمارس دوره بامتياز بين الأجندات الدولية. المحاربون سيرتاحون، لكن حرب الرغيف والنفط ستبقيان مستعرتين حتى إشعار آخر.

 

مصدرالنشرة - سمر نادر
المادة السابقةحرب أوكرانيا تخنق أنفاس النمو العالمي
المقالة القادمةحمية: إعمار مرفأ بيروت هاجس أساسي لنا وبعد أشهر لدي لقاء آخر مع الفرنسيين