الغريب في موضوع الكهرباء “العاصية” عن الإصلاح هو توفّر الحلول الآنية التي تسمح بتأمين الفيول وتخفيض ساعات التقنين، والمستقبلية التي تؤمن الكهرباء 24/24 بأقل التكاليف. فأين هي العقدة وما الحلول المطروحة. “مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية” أجاب في ندوته الإفتراضية التي استضافت نخبة من المتابعين والملمين في موضوع الكهرباء عن كل الهواجس. وأضاء من خلال جلسة غنية بالنقاشات على النقاط العملية التي ممكن أن تحدث خرقاً في قطاع الكهرباء. وقد اعتبر مدير المركز د. سامي نادر الذي أدار النقاش أنه “على الرغم من الواقع السوداوي المعاش فان المبادرات التي تحثّ وتعمل على الإنتقال نحو الطاقة المتجددة، تشكل بارقة أمل حقيقية، ليس للإنتقال من الظلمة إلى النور فحسب إنما لتوفير الطاقة بأقل فاتورة مادية وصحية وبيئية ممكنة”.
كائنة ما كانت الماكرو- حلول المقترحة، فهي تتطلب إستثمارات مالية ضخمة. وهذا “ما لا يمكن تطبيقه في جو إنعدام الثقة القائم بين المواطنين والسلطة من جهة، وبينها وبين المجتمع الخارجي من جهة ثانية”، تقول المسؤولة عن قسم الطاقة المتجددة في الإدارة العامة لبنك عوده، كارول عياط. “فالمجتع الدولي الذي يقع على عاتقه تأمين التمويل، لم يعد مستعداً لصرف دولار على لبنان ما لم يرَ خطوات إصلاحية حقيقية. وهو يعتكف عن المساعدة في ترميم مبنى كهرباء لبنان المدمر بعد انفجار 4 آب بكلفة بسيطة تصل الى55 مليون دولار مقارنة مع المليارات التي يحتاجها القطاع”.
وعليه فان كل الجهات الدولية تقف صفاً واحداً وراء مطلب وحيد يتلخص بالإصلاح. وهذا لن يتم، بحسب عياط، إلا بوجود حكومة قادرة على التواصل مع المجتمع الدولي، والدخول في برنامج مع صندوق النقد، والإنتقال إلى تشريع وتطبيق قوانين مرافقة تتعلق بمشتريات القطاع العام واستقلالية القضاء، وتفعيل قانون الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.
تشعّب أزمة الكهرباء وتعقدها وإختلاط التقني بالسياسي والنقدي والمالي يتطلب، بحسب معد الورقة الإقتصادية في “الحزب التقدمي الإشتراكي” محمد بصبوص، “الإتفاق أولاً على تشخيص المشكلة التي يعاني منها قطاع الطاقة. حيث إن الإتفاق على توصيف المشاكل يسهل إعتماد الحلول التقنية المتوفرة”.
بصبوص ينطلق من ثلاثة عناوين رئيسية تلخص المشكلة التي نحن بصددها:
– قانوني، ويتلخص في عدم تنفيذ القانون 462/2002 الذي ينظم القطاع من خلال تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة. وعدم توقف المحاولات لتعديله في السنوات السابقة بهدف إفراغ الهيئة من الصلاحيات الأساسية التي أعطاها لها القانون.
– إداري، ويتمثل بالصاق كهرباء لبنان بوزارة الطاقة وحرمانها من التمتع بالإستقلالية المادية والمعنوية التي أعطاها إياها القانون. وهذا ما يظهر بوضوح من خلال تركيبة مجلس الإدارة، وشغور 9 مديريات من أصل 10، من مدراء أصيلين.
– تقني، وهو العنوان الأقل تعقيداً الذي من الممكن حله بسهولة في حال تأمين الحلول القانونية والتقنية. وينطلق مثلما أكدّ البنك الدولي في دراسته للعام 2018 على تخفيض الهدرين التقني وغير التقني اللذين يصلان إلى 40 في المئة، مع العلم أن أرقامنا المستندة على دراسات صادرة عن مؤسسة كهرباء لبنان تشير إلى أن الهدر وصل إلى 52 في المئة في السنوات الثلاث الأخيرة.
إنطلاقاً من كونها محرك النمو إلى جانب قطاع الإتصالات، يعتبر الإقتصادي روي بدارو أن “الكهرباء مرتبطة بالتنظيم السياسي والتركيبة القادمة. وعليه فان معالجة الكهرباء تختلف جذرياً في حال ذهابنا بمشروع مناطقي فدرالي، عما إذا بقينا في دولة مركزية. وبالتالي من الضروري التركيز على الكلفة وعلى خطوط الإمداد وكيفية ربطها”.
في الوقت الذي تركز فيه جميع المقترحات على ضرورة الإنتقال للغاز اعتبر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني أن “الفكرة كانت تصح قبل 10 سنوات. أما اليوم فقد تخطاها الزمن لارتفاع كلفتها والإختلاف على عدد ومواقع المعامل. كما أن الإنتاج على الغاز سيكون محكوماً بمشاكل الهدر والبيع بالخسارة نفسها الموجودة اليوم”. من هنا فان الفرصة سانحة اليوم برأي مارديني “للإنتقال مباشرة إلى الطاقة المتجددة وتخطي معامل الغاز، وتجاوز المؤسسات الفاسدة الموجودة حالياً.