المداهمات لمصادرة المحروقات: «سوق سوداء» عسكرية

مداهمات الجيش اللبناني والقوى الأمنية، والكشف عن تخزين المازوت والبنزين في الخزانات والمنازل والمحطّات، لم تُخفّف من وطأة الأزمة لا بل عقّدتها. الطوابير أمام محطّات الوقود، الناتج منها زحمة سير خانقة على معظم الطرقات، تشتد يوماً بعد آخر منذ نهاية الأسبوع الماضي. منذ الفجر ينتظر سائقو السيارات دورهم أمام محطّات إما يمضي النهار من دون أن تفتح، أو تُقنّن الكميات المعروضة، أو تُقفل من دون تلبية طلب جميع المنتظرين بحجّة نفاد المخزون. ينتظر الناس من دون أن تكون واضحة لهم ساعات عمل المحطات… «على الله». الأمر نفسه ينطبق على «دوام» المولدات في المناطق.

قبل مداهمات القوى الأمنية والعسكرية، كان معلوماً أنّ المستوردين والموزعين وتجّار المحروقات يُخزّنون المازوت والبنزين، إما لتحقيق ربح أعلى بعد رفع الأسعار وإما لتهريبها خارج البلد. بعد المداهمات ونشر الصور المرافقة للعمليات الأمنية، باتت المعلومة مُرفقة بأدلة حسية. القاسم المشترك بين ما قبل وما بعد المداهمات، أنّ الناس لم تحصل لا على البنزين ولا على الكهرباء، لا بل إنّها حين توجّهت بناءً على نصيحة الجيش لتحصل على حصّتها، سقط عشرات الضحايا (انفجار التليل – عكّار) وعمّت الفوضى. والموضوع مُرشّح للتأزّم في الساعات والأيام المقبلة، طالما أنّ القرار بـ«تحرير» الكميات المُخزنة يُنفذّ بطريقة عشوائية، وغير مُدعّمة قانونياً وقضائياً، وينقصها الكثير من الشفافية: ماذا يفعل الجيش والقوى الأمنية بالكميات المُصادرة؟ أي محطات تُجبر على العمل وبيع البنزين؟ من هم أصحاب المولدات الذين زُوّدوا بالمازوت لتشغيل مولداتهم؟ لمَن تعود الكميات المصادرة وما هي الإجراءات القانونية المُتخذة بحقهم؟

يُثير ذلك شكوكاً من أن تكون الخطوة شكلية، يُراد بها امتصاص القليل من غضب الناس والفوضى الذي تسبّب بها إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التوقّف عن فتح اعتمادات لشراء المحروقات إلا وفق سعر الدولار في السوق، ومخاوف من مواجهة حالة «خارجة عن القانون»، وإنشاء «سوق سوداء عسكرية». علماً أنّه لو كانت السلطة السياسية والأمنية والعسكرية جدّية بوضع حدّ للاحتكار والتخزين والتهريب، لتسلّحت بـ5 نصوص قانونية لمواجهة «عصابات المحروقات»، لم تُطبّق:

1- المرسوم الاشتراعي 73/83 «حيازة السلع والمواد والحاصلات والاتجار بها»، ويُجيز مصادرة «جميع المواد التموينية وكافة أنواع المحروقات، وبوجهٍ عام جميع المواد المدعومة من الخزينة العامة والتي يتم إخراجها من لبنان».

2- القانون 550 (عام 2003) «مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وسائر أنواع المصادرات». ممّا يتضمنه القانون أنّه لمجلس الوزراء، بقرار يصدر عنه بناءً على اقتراح الوزراء المختصين، وفي الحالات الاستثنائية كالحرب أو الطوارئ أو إعلان منطقة عسكرية، «مصادرة المحروقات على اختلاف أنواعها، واليد العاملة اللازمة لإنتاج وتعبئة ونقل واستعمال المحروقات، وجميع وسائل النقل اللازمة لتأمين نقل المحروقات».

3- في 15 أيار سنة 2020، صدر المرسوم 6338 لإعلان التعبئة العامة. وبناءً عليه كُلّفت وزارة الدفاع الوطني (الجيش) ووزارة الداخلية (الأمن الداخلي والأمن العام)، ووزارة المالية (الجمارك)، المديرية العامة لأمن الدولة، مصادرة كلّ المواد التي يتم إدخالها وإخراجها بصورة غير شرعية.

4- في 30 حزيران 2020، وجّه وزيرا الطاقة والاقتصاد قراراً مشتركاً للشركات النفطية، بتكليف موزعي النفط وفي مهلة 3 أيام وضع جدول بالزبائن ومحطات الوقود وأصحاب المولدات وكل من يشتري المازوت، ويُظهر الرقم المالي لكل شاري وعنوانه، رقم هاتفه، الكمية التي اشتراها والسعر. وطُلب من المديرية العامة لحماية المستهلك تطبيق المرسوم 73/83. القرار لم يُطبّق.

5- صدرت في 9 تموز 2021، استنابة قضائية عن النائب العام لدى محكمة التمييز، غسان عويدات للضابطة العدلية بالتشدّد في ملاحقة عمليات تهريب واحتكار وتخزين المحروقات وبيعها بغير السعر الرسمي، على أن تُضبط الكميات وتُحجز وسائل نقلها وإقفال أماكن تخزينها بالشمع الأحمر من دون منح أصحابها أي مهل إدارية. ويجب على «النيابة العامة الواضعة يدها على الملف بيعها وحفظ ثمنها أمانة في صندوق المال (العدلية) سنداً لأحكام المادة 5 من المرسوم رقم 8625 تاريخ 24/3/1947، وضبط وسائل نقلها وطلب مصادرتها من محكمة الأساس».

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةدولار السوق السوداء يواصل إنخفاضه.. هل يلامس الـ17 الف؟
المقالة القادمة«الضّمان» يَتوعّدُ «المُحتكرين»: سنبدأُ التّفتيش… في هذا الموعد!