انهيار وشيك في قطاع النقل

أسبوع بعد أسبوع يرتفع سعر صفيحة البنزين في لبنان. بدأ الأمر في تشرين الثاني من السنة الماضية. كان سعر صفيحة البنزين من عيار 98 أوكتان يبلغ 24100 ليرة، ثم ارتفع الأسبوع الماضي إلى 40 ألف ليرة، أي زيادة توازي ثلثي السعر خلال أقلّ من 3 أشهر، و4200 ليرة خلال أسبوع واحد. هو ارتفاع ناجم عن ارتفاع أسعار النفط العالمية، وعن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة. وليصبح المسار أكثر سوءاً، هناك أنباء تشير إلى ارتفاعات إضافية في السعر في الأسابيع المقبلة، وهي مرتبطة أيضاً بارتفاع أسعار النفط العالمية، وبزيادة احتمالات ارتفاع سعر الدولار. هذا الأمر بات يهدّد بندرة كميات المحروقات في الأسابيع القليلة المقبلة، وانعكس على تعرفة النقل المشترك وسط توقعات مماثلة باستمرار ارتفاعها خلال الاسابيع المقبلة. كل ذلك يحصل قبل رفع الدعم عن المحروقات.

ففي إحصاء أُجري في عام 2018، أي قبل الأزمة، أو في «أيام العزّ» اعتبرت غالبية مستخدمي السيارات في لبنان (التنقل بالسيارة حصّته 70% من التنقلات)، أن استعمال السيارة وكلفة إصلاحها يعدّان باهظين جداً في لبنان. لنا أن نتخيّل كيف يصنّف اللبنانيون، اليوم، كلفة النقل بشكل عام، واستهلاك السيارة بشكل خاص.

ماذا يعني ذلك؟ ببساطة يعني أن تنقلاتنا أصبحت مهدّدة بشكل جدي (راجع مقالتين في الأخبار «النقل المشترك بديلاً من دعم المحروقات: هكذا نحوّل «التهديد» إلى فرصة»، و«نظام النقل في لبنان لا مساواة متجذّرة يعزّزها الإفلاس»). إذ لم يسبق لنا أن رأينا وضعاً مماثلاً في لبنان (ولا حتى في الحرب)، فضلاً عن الوصول إلى أماكن العمل، ودراساتنا، واستهلاكنا، وزياراتنا. كل ذلك مهدّد بأن يصبح ترفاً حقيقياً لا قدرة لنا على تسديد كلفته. فهناك جزء كبير من المداخيل ستُخصّص فقط للتنقل.

إزاء اشتداد هذه الأزمة، تأتي ردّة فعل المسؤولين عن قطاع النقل صامتة. يكاد يكون الصمت تامّاً لولا بعض الحديث عن تأجيل رفع الدعم لبضعة أسابيع إضافية، أو «استعارة» قليل من المحروقات من احتياط الجيش! هنا المفارقة. فهذه «المبادرة» أتت من السلطة التشريعية وتحديداً من رئيس المجلس النيابي، لا من السلطة التنفيذية ووزارة النقل والأشغال العامة أو الطاقة أو الدفاع. هذه العوامل، على بساطتها، تقدّم دليلاً إضافياً عن تفكّك عمل الدولة بنيوياً وشكليّة وجود سلطة، فضلاً عن الوضع الكارثي لحوكمة قطاع النقل، وخطورة الأزمة وسط غياب الرؤية والحلول الجذرية والاكتفاء بـ«الترقيع»…

كل ما تقدّم ليس سوى ناقوس خطر بأن نظام النقل معرّض للانهيار وأن تنقلاتنا مهدّدة وأن لذلك أثراً اجتماعياً، اقتصادياً، ونفسياً، كبيراً جداً. ما ينتظرنا خطير جداً، ولكنه للأسف لا يأخذ الحيّز المطلوب من النقاش.

مصدرجريدة الأخبار - علي الزين
المادة السابقةالجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز تصدر دليل العلامات التجارية في “الفرانشايز”
المقالة القادمةالعالم يراقب «تسليك» شريان تجارته