بالضربة القاضية سقطنا في “سيدر” وطريق البنك الدولي مسدود

الأزمة الحالية ليست صدفة، بل إن مؤشراتها كانت واضحة والتُمِسَت بدءاً من منتصف العام 2017، وبادَرَ مَن استشعرها إلى تحويل ودائعه في المصارف من ليرة إلى دولار، أما مَن التَمَسَها، فحوَّل أمواله إلى الخارج سريعاً.

في نيسان 2018 بات السقوط أوضَح. فانعقَدَ مؤتمر سيدر 1، وهو الانعكاس الفعلي لمؤتمر باريس 4، وكان في الحقيقة محاولة التنفّس الاصطناعي التي تبنَّتها فرنسا لإنقاذ وليدها وطفلها المدلل لبنان. ولأن حجم الخراب كان لا يزال مغطّى ببعض مساحيق التجميل التي روّج لها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف، حول متانة القطاع وصلابة الليرة وحركة الإستثمارات والثقة الدولية.. وما إلى ذلك، انطَلَت الكذبة على الجمهور. لكن تسريباً صوتياً نُسِبَ لأحد أختصاصيي البنك الدولي الذي واكب مؤتمري باريس 2 و3، كَشَف فظاعة الوضع وما نحن مقبلون عليه. وفي حين أراد لبنان الحصول على مساعدات مالية تصل إلى نحو 16 مليار دولار، كان الاختصاصي يؤكّد على أنه “لا يحق للبنان طلب المساعدة”.

في تلك الفترة، ما كان على لبنان سوى إجراء الإصلاحات المرتبطة بقطاع الكهرباء، بدءاً بالحدّ من عجزه، فضلاً عن تعديل نظام التقاعد وإصلاح القطاع العام، انطلاقاً من ضبط الرواتب والأجور. علماً أن الإصلاحات المتعلقة بالجمارك وآليات تحصيل الضرائب، كانت كفيلة برفد الخزينة بمبلغ يتراوح بين 6 و8 مليارات دولار سنوياً. ومع ذلك، أيقن الاختصاصيّ أن الإصلاح مستحيل في ظل هذا السلطة، متسائلاً عمّا إذا كانت الجهود الفرنسية لإنجاح المؤتمر هي “وسيلة لإبقاء الطبقة الحاكمة في الحكم؟”.

عُقِدَ المؤتمر، وحصل لبنان على وعود بالمساعدة تصل قيمتها إلى نحو 11 مليار دولار، مشروطة باجراء الإصلاحات. لكنها لم تبصر النور حتى الآن. على بُعد 3 سنوات من مؤتمر سيدر، أصبح اللعب “عالمكشوف”، ومع ذلك، استمرت وعود الطبقة الحاكمة بالإصلاح. إلا أن القطاع المصرفي فقد ثقة الجميع، ولم يعد رياض سلامة بقادرٍ على القول بأن الليرة بخير. حتى أن موقف البنك الدولي بات أوضح ويترجِم علانية ما سُرِّبَ سراً قبيل مؤتمر سيدر. فمدير دائرة المشرق في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، أكّد في شهر كانون الثاني 2021، أن البنك وصل مع السلطة في بعض الأمور “إلى طريق مسدود”. وأبدى خشيته من أنه “لن يبقى هناك أحد لتحقيق التنمية من أجله”، قاصداً بذلك قضاء السلطة على البلاد وأهلها.

وإذ حاول كومار جاه ترك مجال للأمل، وإن زائفاً، من خلال إعطاء التلقيح ضد فيروس كورونا “ثقة لفتح البلاد”، إلاّ أن عرقلة المفتاح الأنسب للإصلاح، وهو التدقيق الجنائي، حَسَمَ ما خشيه كومار جاه وما أكّده اختصاصي البنك الدولي. فلقاح كورونا لن يشجّع الاستثمارات الأجنبية لأنها لم تهرب من الفيروس بل من الفساد الذي أعاق الإصلاح وعودة الحياة إلى الاقتصاد، وجَعَلَ لبنان دولة عاجزة عن سداد مستحقاتها، وبالتالي عاجزة عن المطالبة بمساعدات وديون، ما لم تُظهِر توبتها عن الفساد.

أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لملمة أركان السلطة وإقناعهم بالهدوء قليلاً وإظهار بوادر إيجابية، تكون فاتحة للسبيل أمام التفاوض مع صندوق النقد والخروج من الأزمة، لكن على مَن تقرأ مزاميرك يا ماكرون؟
تتحضّر السلطة لاستقبال العام الجديد عارية من الثقة الداخلية والخارجية. سعر صرف الدولار يناور للعودة إلى 28 ألف ليرة وربما أكثر. حكومة ميقاتي وعدت بتحسين التغذية بالكهرباء نهاية العام، ثم عدّلتها إلى مطلع 2022، وتحاول رمي الملف إلى الربع الأول من ذلك العام من دون أفق واضح بسبب عقبة قانون قيصر. ما يعني بأن الخروج من الأزمة بلا أمل، لأن البلاد تنزف منذ نحو 3 سنوات وليس الأمس.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةمجموعة موانئ أبوظبي ترسخ مكانتها العالمية بزيادة شراكاتها
المقالة القادمةالخطّة الحكومية لتوزيع الخسائر: دفع الودائع بالليرة!