منذ الزيارة الأخيرة لقائد الجيش العماد جوزف عون لواشنطن، نهاية الشهر الماضي، يتمحور السؤال المركزي حول مدى استجابة واشنطن للحاجات التي طلبها الجيش للحدّ من تداعيات الانهيار المالي على المؤسسة العسكرية. فقد بات معلوماً أن الأزمة المعيشية الحادّة أصابت الجيش مباشرة، كما هي الحال بالنسبة إلى قوى الأمن والأمن العام. لكن الجيش الذي حاول عند اندلاع الأزمة احتواءها عبر تأمين مساعدات غذائية وإعانات منزلية وطبابة بالحدّ المقبول، بات مع ارتفاع سعر الدولار وانهيار الليرة في شكل متسارع وانخفاض قيمة رواتب العسكريين، أمام تحدّي الحصول على مساعدات نقدية بغية تأمين مساعدة شهرية بالدولار للعسكريين.
تنقسم طلبات الجيش إلى قسمين: الحصول على مساعدات عسكرية بالمعنى اللوجيستي، ومساعدات نقدية تقدر قيمتها بنحو 80 مليون دولار، إذا ما احتسب تقديم مئة دولار لكل جندي لمدة سنة. وهذا يعني أن طلب المساعدة النقدية ظرفي وليس دائماً، في انتظار «معجزة» تساعد في حل الأزمة المالية في شكل عام. وما حصل عليه الجيش هو وعد أميركي بتلبية طلب تشكيل صندوق مالي برعاية الأمم المتحدة، توضع فيه المساعدة النقدية للجيش. هوية هذا الصندوق تختلف عن هوية المساعدات التي كانت مطلوبة سواء في مؤتمر باريس، أو قبله مؤتمر روما، لأن الغاية منه تأمين رواتب الجيش النقدية فقط. والرعاية الأممية ستكون الطريقة الأنسب كونها تساعد الدول المانحة على تخطّي قوانين وإجراءات داخلية تمنعها من دفع أموال نقدية لجيوش خارجية، وسيكون له إطار مختلف عمّا كانت عليه الحال في مؤتمر باريس، وما تضمّنه من عناوين لم تنجح في استثارة المموّلين. إذ إنه، بحسب المعلومات، عبارة عن صندوق لـ«تدوير» المساعدات التي كانت مخصصة أساساً كمساعدات لوجيستية وعسكرية.
عون حصل على وعد أميركي بإنشاء الصندوق، وأن تساهم واشنطن فيه بنحو 67 مليون دولار يجري العمل حالياً على تدويرها لتحويلها نقدية، إلا أن الجيش لا يزال ينتظر استكمال الإجراءات اللازمة والاتصالات لتطبيق الفكرة عملانياً، وخصوصاً أن الجهات الأميركية المعنية لا تزال منقسمة حيال الموافقة عليها، ما يجعل الجيش يتحفّظ عن التفاؤل بإمكان إنشاء الصندوق قبل الإعلان عنه رسمياً ووصول الأموال إليه.
وحتى الآن يشمل الصندوق عناصر الجيش، ولم يعرف بعد ما إذا كان سيشمل عناصر قوى الأمن الداخلي والأمن العام. رغم أن أي تعزيز لرواتب العسكريين فحسب من شأنه إثارة حساسيات بين الأجهزة الأمنية.
ينطلق الجيش من بعض الضرورات في طلبه المساعدة النقدية العاجلة، وخصوصاً بعدما ارتفع عدد المتهرّبين من الخدمة في شكل لافت، وقد وصل العدد إلى ما بين ألفين و3 آلاف عنصر على الأقل. أما الضرورة الثانية فهي أمنية وعسكرية، وهذا الأمر يضعه الجيش أمام المجتمع الدولي من خلال جملة تحدّيات:
أولاً، تطبيق القرار 1701 الذي يفترض بالجيش أن يؤمن وجود 15 ألف جندي في منطقة جنوبيّ الليطاني، إلا أن العدد تراجع الى 12 ألفاً، وحالياً الى نحو ستة آلاف، بعدما سحب الجيش عناصره الى الداخل في الأشهر الماضية وأعاد توزيع ألويته في شكل يتناسب مع التطورات الأمنية التي حدثت وتحدث في شكل دوري.
ثانياً، رغم أن الانشغال بالأزمة المعيشية حجب موضوع مكافحة الإرهاب فلم يعد يتصدّر العناوين، إلا أن ما حصل، أخيراً، مثلاً في اعتقال خليّة إرهابية في طرابلس لها ارتباطات في سوريا والعراق يدلّ على أن هذا الموضوع لا يزال يحتاج إلى متابعة لصيقة من الجيش، فضلاً عن موضوع النازحين واللاجئين الى أوروبا التي تطلب دولها في شكل حثيث من لبنان التشدد في ملاحقة شبكات التهريب من لبنان، وخصوصاً بعد التطورات التي تحصل بين بيلاروسيا وبولونيا.
ثالثاً، اعتبارات محلية بسبب الأزمة المعيشية وانفلات الوضع الداخلي واستخدام السلاح بكثافة في عدد من الأحداث المتنقلة ومنها بين أبناء المنطقة الواحدة، ما يزيد الأعباء على الجيش، وعلى عناصره الذين يرزحون تحت وطأة رواتب متدنّية. وتعزيز أحوال العسكر من شأنه أن يساهم أكثر في تعزيز القدرة على فرض الأمن وعدم هزّ الاستقرار.
كل هذه العوامل يستفاد منها لتزخيم صورة الجيش وعناصره من خلال تحسين أوضاعهم الحياتية، وتعيد وضع الجيش على سكة حل أزمته المالية دولياً ومحلياَ