تشديد القيود الأميركية يطلق أكبر موجة تخارج للشركات الصينية

دخلت مصالح الشركات الصينية في حقل ألغام بعد قرار السلطات التنظيمية الأميركية بإجراء تدقيق مالي بشأن أعمالها، ما جعل الخبراء يرصدون أكبر موجة تخارج لهذه الكيانات من سوق الأسهم في الولايات المتحدة بفعل هذه القيود الصارمة.

وأثار إعلان كبرى الشركات الصينية الحكومية مؤخرا عزمها تقديم طلب لشطبها من قائمة أسواق الأسهم الأميركية، حالة من الشك في ما إذا كان ذلك ينذر بانفصال متسارع بين أكبر اقتصادين في العالم.

والأسبوع الماضي، قررت خمس شركات الإقدام على هذه الخطوة، وسط غضب من قانون أميركي يطالب المنظمين لسوق الأسهم، بفحص عمليات التدقيق الحسابي لها.

وكانت شركات بتروتشاينا وتشاينا لايف إنشورانس وشركة الألمنيوم الصينية وسينوبيك وشنغهاي بيتروكيميكال قد أعلنت أنها تخطط للخروج من بورصة نيويورك خلال أغسطس الماضي.

ومن المتوقع أن تتخذ العديد من الشركات الصينية الأخرى الإجراءات نفسها، لاسيما وأن بكين ترفض السماح للمنظمين الأجانب بتفتيش شركات المحاسبة المحلية، متعللة بقوانين أمن الدولة لمنع المنظمين الأميركيين من إجراء عمليات التدقيق.

وقال أندرو ليونغ، الخبير الإستراتيجي الصيني المستقل في هونغ كونغ، إن هذه “بداية موجة مد عاتية” لبعض كبرى الشركات، عقب المضايقات والإكراه اللذين تعرضت لهما من قبل واشنطن.

وأضاف في مقابلة مع وكالة الأناضول الخميس “ذريعة واشنطن أن الشركات التي تنتهك القوانين الأميركية أرعبت الكثير من الشركات الصينية”.

وهناك حوادث سابقة دفعت الإدارة الأميركية السابقة في ديسمبر 2020 إلى اقتراح متطلبات جديدة من شأنها حماية المستثمرين، من خلال ضمان قيام الشركات المدرجة في البورصات الأميركية بالكشف والإفصاح عن معلومات التدقيق.

وتضمن الاقتراح في ذلك الوقت أن تتم المراجعة مع مجلس مراقبة الأعمال المحاسبية في الشركة العامة، وهي شركة غير ربحية مهمتها تعزيز التدقيق المحكم والمستقل.

ومكّن عدم استيفاء المتطلبات الأساسية في الإفصاح شركات مثل لاكين كوفي من تضليل المستثمرين. ففي أبريل 2020 اعترفت سلسلة المقاهي الصينية بالمبالغة في الإيرادات بأكثر من 300 مليون دولار، وهي فضيحة كلفت المستثمرين عندما انهار سعر سهمها.

والآن، يتعين على الشركات في الولايات المتحدة أن تُخضع مدققي حساباتها للتدقيق من قبل المنظمين الأميركيين، بموجب قانون محاسبة الشركات الأجنبية القابضة “أتش.أف.سي.أي.أي” الذي تم إقراره عام 2020.

ويحظر التشريع الأميركي تداول الأوراق المالية من قبل الشركات التي تفشل في تلبية متطلبات التدقيق لثلاث سنوات متتالية، حيث تم تحديد عام 2024 كموعد نهائي للشركات الصينية للامتثال للقانون أو الانسحاب من سوق الأسهم.

وقد تضطر نحو 200 شركة صينية إلى الانسحاب من السوق، إذا لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى حل وسط قريبا، ما لم يتعين على الصين اختيار الشركات التي سيسمح بإدراجها في قائمة الأسهم المالية في الولايات المتحدة.

ويرى ليونغ أن قانون محاسبة الشركات الأجنبية سيؤدي إلى “الابتعاد عن سوق الأسهم الأميركي”، وليس بالضرورة أن يؤثر ذلك على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة.

ولكنه أشار إلى أن حظر استيراد بعض المنتجات من قبل إدارة بايدن أضر بالفعل بالمستهلكين الأميركيين، ما أدى إلى زيادة التضخم إلى مستويات هي الأكبر منذ أربعة عقود، بفعل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.

 

واتهم ليونغ الولايات المتحدة بـ”تشويه صورة الصين”، مضيفا أن المزيد من الدول “لا تريد أن تلتزم بالخطاب الأميركي”. ومع ذلك شدد على أن الانسحاب من سوق الأسهم الأميركية “لن يكون سهلا”.

وقال إن الناس يفرقون بين “الخطابات والأعمال الحقيقية”، مشيرا إلى ارتفاع الصادرات الصينية خلال الثمانية عشر شهرا الماضية إلى الولايات المتحدة والدول الأخرى.

وتتطلع الشركات الصينية في خضم هذه المشاكل إلى الانضمام إلى بورصة هونغ كونغ وسنغافورة.

وتمت إضافة مجموعة علي بابا لتجارة التجزئة الإلكترونية التي تعادل النظير الأميركي أمازون، مؤخرا إلى قائمة الشركات المحتمل انسحابها، والتي أعلنت أيضا أنها تسعى للانضمام إلى بورصة هونغ كونغ.

ويعتقد ليونغ أن الولايات المتحدة “لن تكون قادرة على مقاضاة أي شركة صينية أو مدرائها التنفيذيين، إذا لم يكن هناك دليل على ربط التكنولوجيا الصينية بالحزب الشيوعي الصيني” الحاكم.

ولدى الخبراء الصينيين قناعة بأن الإدارة الأميركية الحالية تمضي في استكمال ما بدأه الرئيس السابق دونالد ترامب، حينما شن حربا تجارية أضرت بمصالح الطرفين.

وقال إينار تانغين، الزميل في معهد تايهي في بكين، إن الولايات المتحدة تكثف العمل على برنامجها “أميركا أولا”، مضيفا أن الشركات التي انسحبت من قوائم الأسهم المالية قامت بذلك الإجراء “بشكل دفاعي”.

وفي إشارة إلى قانون “الرقائق الإلكترونية” الجديد الذي يدعم مصنعي أشباه الموصلات الأميركيين على حساب تايوان وكوريا الجنوبية واليابان، قال تانغين إن تايوان على وجه الخصوص “ستتضرر بشدة” لأنها تصدر حاليا 90 في المئة من الرقائق المتقدمة التي تستخدمها الولايات المتحدة.

وتثمل أشباه الموصلات 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لتايوان و40 في المئة من صادراتها، وأكد تانغين أن إستراتيجية الولايات المتحدة إذا نجحت، فإنها “ستدمر الاقتصاد التايواني وتسلب قيمته الإستراتيجية”.

وتعد هواوي نموذجا لتقاطع نيران الحرب التجارية الصينية – الأميركية، إذ بحسب ما تقول واشنطن، فإن تجهيزات شركة الإلكترونيات العملاقة للجيل الخامس للاتصالات “5 جي” تستخدم في التجسس.

ويرى تانغين أن بالنظر إلى ما تفعله الولايات المتحدة بحلفائها، فإن الشركات الصينية تتوقع المزيد من “معاملة هواوي” المتمثلة في “الخروج قبل إجبارها على المغادرة”.

وتتهم الولايات المتحدة هواوي باستخدام طرق وأساليب لمشاركة المعلومات مع الحكومة الصينية، وهي مزاعم ترفضها الشركة.

وقال تانغين إن “مسألة جمع وتدفق البيانات تعتبر من قضايا الأمن القومي”، حيث تقوم البلدان حاليا ببناء جدران إلكترونية لعزل المنافسين الأجانب عن جميع مجالات الاقتصاد الرقمي، مما يؤدي إلى “ابتكار أقل وأسعار أعلى” للمستهلكين النهائيين.

ونظرا إلى أن العديد من الشركات الصينية تعمل في قطاع البيانات، فإنها تعتبر سلوك الولايات المتحدة “متحفظا جدا”. وأكد الخبير أن من غير المرجح أن يؤثر هذا السلوك على التجارة الثنائية بين البلدين.

ورغم كل هذه الفوضى، فمن المرجح أن التجارة “ستظل قوية نسبيا” بسبب المكانة التي تحتلها الصين في سلسلة التوريد من حيث التكلفة ووفرة المنتجات.

والجانب الوحيد الذي أحرز فيه البلدان “تقدما طفيفا” هو اعتماد معيار محاسبي للشركات الصينية “مقبول للطرفين”. وأكد تانغين أن الشركات الصينية التي تتجه نحو دعم ثاني أكبر اقتصاد في العالم تعتقد أن لديها مستقبلا قصيرا في الولايات المتحدة.

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةكيف يتجاوز الاقتصاد الروسي توقعات الانهيار؟
المقالة القادمةعوائد السياحة ترفع معنويات لبنان المنهار