جمود الإصلاحات يضع لبنان على أبواب أزمة مالية أخطر

أكد محللون ونواب ومسؤولون سابقون إن الأزمة المالية اللبنانية الخانقة بدأت تشكل خطرا أكبر وهي توشك على دخول عامها الرابع، إذ يخبو أمل تنفيذ إصلاحات قد تفرج عن دعم أجنبي وتجنّب البلاد اضطرابات اجتماعية في ظل حالة الشلل السياسي.

ورجحوا أن الوضع الذي يكبّل البلاد قد يتفاقم في الخريف إذا حالت الخلافات السياسية دون وجود سلطة تنفيذية تفعّل إصلاحات أو تتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة.

واتفق لبنان مع الصندوق في أبريل الماضي،على تمويل بقيمة ثلاثة مليارات دولار مشروط بتنفيذ إجراءات أساسية لمعالجة أزمته المالية التي تحولت إلى أزمة شاملة في أكتوبر 2019.

وفي مايو الماضي، حقق مرشحون يؤيدون الإصلاح نجاحا ملحوظا في الانتخابات البرلمانية وصادقت الحكومة المنتهية ولايتها على خطة جديدة للتعافي المالي.

لكن الجمود السياسي يخيم منذ ذلك الحين على تلك التطورات كما لاقت الخطة معارضة من القطاع المصرفي بما يشير إلى أن أسوأ انهيار مالي في العالم قد يستمر لفترات أطول.

وقال هنري شاوول، وهو عضو سابق في فريق تفاوض لبنان مع صندوق النقد واستقال في 2020 عندما ألغيت الخطة الحكومية المطروحة وقتها، لوكالة رويترز “أرى أن شيئا لن يحدث ما دام الحكم السياسي لم يتغير”.

ويواجه نجيب ميقاتي، رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال والمكلف أيضا بتشكيل حكومة جديدة، معركة حامية لتشكيل حكومة يمكنها أن تحظى بقبول الرئيس المنتهية ولايته وبموافقة البرلمان المعلق.

وعملية تشكيل الحكومة تمتد شهورا عادة في لبنان، لكن تلك المدة قد تطول مع محاولة الأحزاب تأمين نفوذها حال بقاء مقعد الرئاسة خاويا بعد انتهاء مدة ولاية ميشال عون في أكتوبر.

وإذا حالت الانقسامات دون تشكيل حكومة وتسمية من سيخلف الرئيس بحلول ذلك الوقت، فقد يهيم لبنان على وجهه من غير سلطة تنفيذية لديها من الصلاحيات ما يمكّنها من تنفيذ إصلاحات أو إبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة.

أما الاقتصاد فيغرق سريعا، فقد فقدت العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها ويعيش نحو 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر.

ويبدو أن قدوم السياح واللبنانيين العاملين في الخارج إلى البلاد في الصيف ومعهم العملة الصعبة التي يحتاجها لبنان بشدة لن يكون له أثر يذكر في حل الأزمة التي تتمحور حول فجوة قدرها 70 مليار دولار في النظام المالي، وهو ما يفوق ثلاثة أمثال الناتج الاقتصادي للبلاد بأكمله في عام.

ولم يمرر البرلمان السابق موازنة 2022، ولم يصدّق كذلك على قانون أثار جدلا واسعا بشأن السيطرة على رؤوس الأموال أو قانون معدل لسرية الحسابات المصرفية.

وعلّق كثيرون آمالا على نواب ينضمون إلى البرلمان لأول مرة في دفع الإصلاحات، لكن بعد ستة أسابيع من إحراء الانتخابات لم يعقد البرلمان بعد أي جلسة عامة.

ويقول أفراد من اللجنة المالية إنهم لم يتلقوا إلا هذا الأسبوع نسخة من خطة التعافي المالي الحكومية التي تم الاتفاق عليها في منتصف مايو الماضي. وتقول تكتلات كبرى إنه لا بد من مراجعة الخطة مراجعة شاملة.

ويخشى البعض تكرار سيناريو 2020، عندما رفض البرلمان والقطاع المصرفي التجاري القوي خطة الإنقاذ الحكومية.

والانقسام الأساسي بشأن الخطة، وقتها وحاليا، لا يزال يتعلق بكيفية توزيع الخسائر. وتقول الحكومة إن البنوك ومساهميها يجب أن يكونوا أول من يتحمل تلك الخسائر، بينما تقول البنوك إن الدولة يجب أن تستخدم أصولها للدفع للمودعين.

وتدعم جمعية المصارف اتفاقا مع صندوق النقد رغم أنها تعارض الطريقة الأساسية التي يريد هو والحكومة توزيع الخسائر بها.

وقال وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال لرويترز إن “هذا الخلاف قد يُخرج برنامجا نهائيا مع صندوق النقد عن مساره”.

ويصر صندوق النقد على ضرورة إخضاع القطاع المصرفي المتهالك لإعادة هيكلة تسمح للاقتصاد بالتعافي، لكن العمل على ذلك لم يبدأ بعد.

وواجهت خطة هذا العام معارضة أيضا من جماعة حزب الله النافذة التي تتحدث عن ضرورة مراجعتها. كما دعت حركة أمل حليفة حزب الله والتي يقودها رئيس البرلمان نبيه بري إلى استبقاء كل الودائع، وهو سيناريو يقول محللون إنه مستحيل نظرا لحجم الأزمة.

ويقول منتقدون للحكومة إن الجمود المتواصل متعمد لدفع اللبنانيين الذين يحتاجون إلى العملة الصعبة لسحب ودائعهم الدولارية من البنوك بالعملة المحلية بخسائر بالغة.

وتلك السحوبات تقلص ببطء المبلغ الإجمالي بالدولار الذي تدين به البنوك للمودعين في حالة تنفيذ أي خطة تعاف مالي.

وإذا استمرت تلك السياسة وحاولت الحكومة تهدئة الناس بزيادة المزايا الإضافية والرواتب للقطاع العام الكبير نسبيا فقد ينزلق لبنان إلى فخ تضخم جامح.

وقال ناصر سعيدي الخبير الاقتصادي والنائب السابق لحاكم مصرف لبنان المركزي لرويترز إنه “مع عدم وجود عائدات جديدة فإن زيادة الرواتب والمزايا المالية الإضافية مثل بدل الانتقال ستدفع البلاد إلى تضخم خارج عن السيطرة”.

وليس هناك الكثير من الوقت ولا الدولارات لتضييعها. فقد أدى الإنفاق على الدعم وعلى ضخ سيولة لدعم الليرة اللبنانية إلى تراجع احتياطيات البلاد من العملة الصعبة من أكثر من 30 مليار دولار في 2019 إلى 11 مليار دولار اليوم وفقا لحاكم المصرف المركزي.

وندد بهذا النهج النائب المعارض إبراهيم منيمنة، وهو عضو في لجنة المالية والموازنة وناشط سياسي منذ فترة طويلة. وقال لرويترز إنه “في ظل الورطة التي تعاني منها البلاد حاليا ربما كان علينا أن نطلب من الناس النزول إلى الشارع”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةانكماش الصناعة يضعف الآمال في انتعاش وشيك للاقتصاد العالمي
المقالة القادمةإحالة مصارف كبرى مخالفة للتحقيق: الهيئة المصرفية العليا “تنتفض”؟