“حزب الله” ورياض سلامة والمصارف قوّضوا لبنان!

حاولت ندوة «الحوكمة والاقتصاد» التي نظّمت في الجامعة الأميركية في بيروت ضمن فعاليات مشروع «لبنان في قرنه الثاني – رؤية مستقبلية»، الإجابة عن السؤال التالي: «ماذا بعد الانهيار وكيف يمكن الخروج منه في ظلّ غياب المحاسبة وفقدان لبنان دوره؟». وسعت الى تقديم مقاربات اقتصادية لمستقبل لبنان تؤسس لمادة ناجحة لصناعة القرار، عبر استضافة خبيرين اقتصاديين مشهود لهما بمكانتهما العلمية والمهنية ومعايشتهما الأزمة منذ وقوعها، وهما الدكتور توفيق كسبار والدكتور كمال حمدان.

ناقشت الندوة الإشكالية المتعلقة بتحصين لبنان في وجه أزمات الداخل، عبر التركيز على التكيّف إيجابياً مع الأوضاع المتغيرة ومراجعة أداء محدّدات النمو الاقتصادي، والتعويض عن هذا التراجع لدور لبنان(هذا ما أجاب عنه حمدان) في حين تناول كسبار مسبّبات الانهيار المالي والنقدي وكيفية النهوض والتعافي.

المئوية الثانية

أدارت الندوة الزميلة سابين عويس، التي اعتبرت في كلمتها الترحيبية أنه، «إذا كانت المئوية الأولى اتّسمت بنهايتها بفشل نموذج لبنان وسقوط دوره وانهيار المقاربة الاقتصادية التي حكمته على مدى أكثر من 3 عقود، فبداية المئوية الثانية لا تبشر أبداً بالخير، بعدما صار هذا الدور موضع شكوك وتهديد وسط المنافسة القوية، وتطوّر دول المنطقة التي كان لبنان يؤدي دور صلة الوصل لها مع الغرب»، معتبرة أن «أهمية الندوة هي في تركيزها على المستقبل. لأن المشكلة الكبرى التي نواجهها اليوم تتمثل بالاعتراف بالفشل والعيش في الماضي وتقاذف المسؤوليات، وصولاً الى التكيف مع الأزمة والقبول بواقعها، وهذا الأمر رأيناه بقبول اللبنانيين بانفجار المرفأ وبسرقة أموالهم ومدّخراتهم وبانهيار مؤسسات دولتهم وتحلّلها». أضافت: «أن ننظر الى المستقبل لا يعني ألا نسترجع تجارب الماضي لاستيفاء الدروس منها، ولكن مع الأسف لبنان الدولة والشعب لم يتعلّم من تجاربه. وما زلنا الى اليوم نعيش في بلد يفتقد الى الرؤية والاستراتيجية والسياسات العامة. وهذا ما رأيناه مؤخراً في مشروع موازنة 2024 وأيضاً في سوء إدارة الأزمة»، لافتة الى أننا «نقول إن دور لبنان انتهى، ولكن لا نفكّر بالبحث عن الدور الجديد، أو على الأقلّ على احتمالات استعادة الدور السابق في حال كان لا يزال صالحاً للعبه. نقول إن الاقتصاد الريعي انتهى ولكن لم نبحث في أسس الاقتصاد المنتج وقطاعاته القابلة للحياة والاستثمار، ونقول إن الدولة أفلست وما زلنا نشهد استمرار الفساد والهدر والسرقة وغياب الحوكمة، نقول إن الانهيار سببه اقتصادي أو سرقة المال العام والخاص، ونغفل دور النظام السياسي والمحاصصة وتوزيع المغانم، الذي جعل النموذج يعيش أكثر ويقتات على أموال الناس وحياتهم الكريمة».

فرادة عالمية

من جهته عرض الدكتور كسبار الأسس التي أدت الى الأزمة التي نعيشها وما ينتظرنا، معتبراً أن «ما حصل في لبنان لم يحصل في أي بلد في العالم. فالانهيار المصرفي هو الأكبر بالعصر الحديث. وعلى الرغم من ذلك لم يجر أي تفسير رسمي أو علمي له». ويستدرك قائلاً: «هناك سردية نسمعها من السياسيين وهي أن المودعين وضعوا أموالهم في المصارف وهذه الأخيرة أقرضت المصرف المركزي، وبدوره أعطاها للدولة وهذه الأخيرة فاسدة فطارت الأموال».

حصل إنهياران

يشدّد كسبار على أن «هذا التفسير خطأ ولا يرتكز إلى أي واقع علمي. والدليل أن ما أقرضه المركزي للدولة قبل الأزمة لا يتجاوز الـ5 مليارات دولار بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عنه. وما حصل فعلياً هو انهياران: مصرفي، أي أن المصارف أفلست قانونياً ومحاسبياً لأنها خسرت رأسمالها، وانهيار سعر العملة اللبنانية»، شارحاً أن «هذين الانهيارين طبيعتهما وأسبابهما ونتائجهما مختلفة. ففي ثمانينات القرن الماضي حصل انهيار لسعر الليرة وخسرت أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، لكن حافظت المصارف على قوتها بشكل معقول على الرغم من الحرب. وكان يمكن لأي مودع تحويل أمواله الى الخارج ساعة يشاء، لأن المصارف كانت تملك نسبة سيولة بالدولار، فبين العام 1975 -1990 كان معدل نسبة سيولة الدولار في المصارف ما يزيد على 99 بالمئة، وهذا الأمر لم يصل له أي جهاز مصرفي في العالم. أما في العام 2019 فكانت النسبة 7 بالمئة وهذا يفسّر سبب الانهيار».

ميزان المدفوعات

أضاف: «ميزة لبنان منذ الاستقلال أن ميزان المدفوعات لديه فائض، أي يدخل دولار أكثر ممّا يخرج. منذ العام 2011 كان ذلك الميزان يسجل عجزاً كل عام والمركزي يريد دولاراً. فقام الحاكم السابق رياض سلامة بالجريمة التاريخية بحق اللبنانيين عبر الاقتراض من المصارف بفوائد عالية وصلت الى ما يزيد عن 14بالمئة. بمعنى انه كان يوزع جوائز، والمصارف مستعدة للقيام بأي شيء مقابل الحصول عليها، وتم إقراضه بالدولار تقريباً 100 مليار دولار، أي ثلاثة أرباع الودائع وضعتها المصارف في المركزي»، موضحاً أن «هذه الاستدانة لا علاقة لها بالعجز لأنه كان بالعملة اللبنانية. وبحسب تقرير الفاريس ومارسال، حتى آخر 2019 خسر المركزي 50 مليار دولار، في حين أنه أعلن أنه ربح في ميزانيته مليار دولار، وهذا يعني أن الهندسات المالية كلّفته 55 مليار دولار، وعليه ديون بالدولار 60 مليار دولار».

الهندسات المالية

يؤكد كسبار أن «الهندسات المالية والمشاركة الطوعية للمصارف هي السبب الأساسي في الانهيار المصرفي، ومن بعدها مسؤولية الدولة عبر مشاركة مباشرة. جريمة مصرف لبنان أنه قام بسياسة نقدية مسؤول عنها المجلس المركزي، لأنها جرّدت المصارف من سيولتها ووضعتها على طريق الإفلاس»، جازماً بأن «جريمة المصارف أنها قبلت بخرق المبادئ المصرفية العامة، والتي تنصّ على أنها لا تقرض أكثر من 25 بالمئة من رأسمالها لجهة واحدة، لكنها قامت بإقراض المركزي 440 بالمئة من رأسمالها وهذه هي الخطيئة».

مسؤولية المجلس المركزي

يشرح كسبار أن «مسؤولية الدولة تكمن عبر المجلس المركزي، ولجنة الرقابة على المصارف التي لها الحق بفرض نسب سيولة على المصارف من دون موافقة المركزي، ووزارة المالية التي هي وزارة الوصاية وأيضاً مجلسي الوزراء والنواب اللذين لم يسألا الحاكم عن حقيقة الوضع المالي منذ تعيينه، وعلى المواطنين الذين كان عليهم المحاسبة لكن بنسبة أقل من المصارف والدولة أي يمكن توزيع نسب المسؤولية 40/40/ 20».

السلطة شريكة في الجريمة

ويجزم كسبار بأن «أي سياسة اقتصادية لن تنفع شيئاً في المرحلة المقبلة مهما حصل من ترقيعات، لأن السلطة هي المشكلة والشريكة في الجريمة، ومهما جرى من محاولات ستبقى أقرب الى ترقيعات. لكن من المستحيل أن يحصل نهوض اقتصادي، لأن لبنان محكوم من ميليشيا وهذا سيمنع مجيء المستثمرين»، مشدّداً على أن «هناك ترابطاً بين الاقتصاد والواقع السياسي والاجتماعي، ولبنان واقع تحت الاحتلال الايراني بواسطة ميليشيا حزب الله وهو يملك قرار الحرب والسلم، ويمسك السلطة الشرعية والتنفيذية والعسكرية والقضائية، واذا لم نحل هذه المشكلة فلا أمل بالنهوض الاقتصادي لأن السلطة السياسية لا تحرّك ساكناً إلا بأمر من سلطة الاحتلال».

العولمة وأميركا والصين

من جهته تحدث حمدان عن «المتغيرات الدولية والإقليمية وتداعياتها على تحصين الاقتصاد اللبناني، فتطرّق الى «المتغيّرات التي حصلت، لأن لبنان جزء من السوق العربية المحيطة التي تتأثر بالوضع الإقليمي. فعلى الصعيد العالمي هناك مشهد سوريالي لجهة سيطرة العولمة والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي وثورة في المعلومات التي غيّرت حياة الناس. ومن جهة أخرى هناك اقتصاد مأزوم ومشاكل اجتماعية تطفو على السطح وجموح سياسي نحو التطرّف والإقصاء».

أضاف: «الولايات المتحدة الأميركية تصارع للحفاظ على هيمنتها، وأريد للعولمة إعادة تثبيت هيمنتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، لكن العولمة أفادت نسبياً خصوم الولايات المتحدة التي كان وزنها في الاقتصاد العالمي 24% بينما يبلغ حالياً 13%، في حين أن الصين والهند ارتفع ترتيبهما الاقتصادي تليهما بريطانيا ثم ألمانيا وفرنسا وإيطاليا مع ثبات لليابان. ووزن الصين في الصادرات العالمية يبلغ حوالي 40 بالمئة»، لافتاً الى أن «العالم العربي فوّت صدمتي ارتفاع اسعار النفط، وبالتالي لو كان هناك مشروع إنمائي عصري عربي يحفظ الأوزان والمالكين، لكان يمكن تمويل إعادة بناء البنى التحتية لـ 22 بلداً عربياً وربطها بمساهمات وأشكال من الخصخصة والملكية ودين مضمون».

3 أنواع عرب

وأشار حمدان الى أن «هذا لم يحصل وانتهت هذه الحقبة وصار العالم العربي ثلاثة أضلاع: دول غنية ومستوردة لليد العاملة، ودول غنية بالموارد ومكتفية باليد العاملة، ودول فقيرة ومصدّرة لليد العاملة. وقد استقرّ هذا التوصيف الى أن حصلت حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة، حيث فتح المجال أمام قيام الوحش الطائفي والمذهبي والعرقي، مع تلازم أمرين أولهما التحوّل من قطبية عالمية الى أشكال من قطبية متعددة، وقيام ظاهرة الدول الإقليمية الكبرى بالإضافة إلى إسرائيل أي مصر وتركيا وإيران والسعودية والتي كانت تطمح للتحول الى قوى إقليمية كبرى».

معجزة لبنان إنتهت

ويوضح حمدان أنه «في هذا الوضع العربي كان لبنان يؤدي دور الوسيط المتعدد الوظائف، بداية وسيط تجاري ثم خدماتي ثم صناعي. لكن باختصار فإن المعجزة اللبنانية التي قامت على أن لبنان مصرف العالم العربي وجامعته ومستشفاه ومرفأه ومطاره، انتهت الى غير رجعة، وهذا يدفعنا الى القول إنه لا حل للأزمة الاقتصادية في لبنان والخروج منها الا عبر بناء الدولة المدنية المحصّنة بهويتها الوطنية وسيادتها على قرارها»، مشدداً على أنه «علينا بناء بدائل فعلية لأدوار الوساطة التي كان يلعبها لبنان، وبعد فشل الرهان على عملية السلام التي أطلقت في العام 2000 بعد اتفاق اوسلو، واستبدال دول الخليج استيراد الخدمات باليد العاملة اللبنانية اليها، وفي حال توفر شكل من أشكال الإرادة السياسية هناك ملفات يمكن معالجتها».

هبة غير محقة

وتطرق الى الهبة غير المحقة التي تنطحت الدولة لمنحها لأصحاب القروض لتسديدها على سعر 1500 ليرة للدولار، فهناك شركات حصلت على قروض بقيمة 100 مليون دولار وتم تسديدها بمليون ونصف دولار، وجزء كبير من هذه القروض كان يستثمر في الخارج ويحقّق أرباحاً، لكن يجب التمييز بين المقترضين لأن 40 بالمئة من تلك القروض ذهبت الى عشرات ألوف المستفيدين من محدودي الدخل، لذا لا بدّ من وضع ضريبة عادلة «. ويختم: «يجب التصدّي لكل ما له علاقة بالفساد وقانون الشراء العام وتعهّدات الباب الثاني من الموازنة، ومجلس الإنماء والإعمار والسدود والكهرباء، ومحاسبة المرتكبين من دون استثناء وتدفيع من استفاد بطريقة غير مشروعة كلفة الأزمة».

 

مصدرنداء الوطن - باسمة عطوي
المادة السابقةمنصوري على خطى سلامة في تثبيت سعر صرف الدولار
المقالة القادمةالمستوردون يخشون تأخّر وصول المواد الغذائية