كأن انعدام ثقة الناس فيها وتراجع الودائع لم يكن كافياً للمصارف، حتى وجه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون صفعة قوية لها استغربها المعنيون بالقطاع المصرفي من اعلى الهرم الى اصحاب المصارف وهيئات الرقابة وغيرهم. نكسة جديدة مني بها القطاع المالي في لبنان بعد فضيحة تعثر المفاوضات مع صندوق النقد بسبب الاختلاف في الارقام. إتّهم الرئيس الفرنسي المصارف اللبنانية بأنها “أسست لخدمة مصالح كبار المسؤولين وحصل ما يسمى بسلسلة الـ”بونزي” ولم يعد احد يثق بالنظام المصرفي اللبناني. للوهلة الاولى عبّر ماكرون عن داخل كل لبناني حجزت امواله في المصارف وتعرضت من خارج اي صيغة او قانون الى هيركات تلقائي. ورغم كل ذلك لا يزال هؤلاء يعيشون على أمل فرج يأتيهم يوماً ما. لكن ورغم ذلك كان مستغرباً تشبيه المصارف بـ”البونزي”، اي انهم عصابة تتفق مع آخرين وتتواطأ معهم لسرقة اموال الناس. فهل هذا هو الواقع؟ ومن هو “البونزي” الذي استعان به وما المقصود بهذا التشبيه؟
كان سبق ماكرون في توصيفه هذا صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة التي تحدثت في اعقاب 17 تشرين عن”مخطّط بونزي عملاق”، لاعتماد “المصارف في لبنان دفع أسعار فائدة عالية لكبار المودعين من الفوائد التي يكسبونها من الأموال التي يقرضها هؤلاء للدولة”. وترتبط التسمية برجل يدعى تشارلز بونزي إشتهر بالاحتيال في تحصيل الاموال. كان يعتمد نظام بيع هرمياً، يقوم على منح المودعين نسبة عالية من الفوائد لجذب المستثمرين الجدد فيقوم باستخدام اموالهم لتغطية فوائد المستثمرين القدامى. وتزامنت اتهامات ماكرون مع وجود وفد جمعية المصارف في باريس واجتماعه بكبار المسؤولين في الإدارة الفرنسية فضلاً عن شروع حاكم مصرف لبنان في مفاوضات مع المصرف المركزي الفرنسي. موقف فرنسي اثار غضب القطاع المصرفي بكل فئاته لتصويره الأمور على غير منحاها الطبيعي. ليس من باب الدفاع عن المصارف لكن يغالط رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود الرئيس الفرنسي في ما قاله محملاً الدولة مسؤولية عدم الايفاء بمسؤولياتها. يشرح حمود ان “العالم المصرفي بطبيعته عمل إئتماني يميز بين الاقتراض والقرض والوديعة. والاخيرة هي عمل إئتماني تعطي الاموال مقابل دفتر ايداع على امل استرجاعها ساعة يشاء المودع بينما البونزي يأخذ الاموال ولا يستطيع ان يدفع لا الاصل ولا الفائدة، وحين اخذت المصارف الاموال من الناس هل كانت تخدم بها زبائنها؟ بالطبع لا ولكن لا يمكن لاي مصرف في العالم ان يعيد للناس اموالها كلها دفعة واحدة وفي الوقت نفسه”.
يقول حمود: “بلغ حجم الودائع في العام 2005 قرابة 100 مليار دولار. حيث كان لدى المصارف 30 مليار دولار، سلفنا للقطاع الخاص 40 ملياراً، وسلفنا للدولة 20 ملياراً وفي الخارج 10 مليارات دولار. ما يعني ان اموال الناس موجودة”، متحدثاً عن “وجود عملية بونزي سياسي واداري مورس على القطاع المصرفي”.
يؤكد حمود: “حق المودعين في استرجاع اموالهم ويطمئن ان هذه الاموال موجودة ولكن استردادها يلزمه وقت”، معيداً “الازمة الى حجم الديون المترتبة للمصارف على الدولة”. ولا ينكر حمود “وجود بعض المصارف التي يجب ان تخرج من السوق ولكن كقطاع مصرفي لن تضيع موجودات الناس”.
ويضيف: “الودائع امانة في رقبة الكل وهي لم تذهب ولكن استردادها يلزمه بعض الوقت لاستعادتها وشرط ذلك وقف ممارسة البونزي السياسي واعادة بناء الدولة على بنى صحيحة.
لا اريد الدفاع عن المصارف وانما اريد القول ان البونزي كان يضيّع الموجودات ويغطيها بموجودات اخرى. في لبنان الموجودات لا تزال موجودة ولكن المصرف المركزي لديه عجز وهذا يجب معالجته وهناك طرق سبق وان عرضناها على حكومة تصريف الاعمال الحالية ولم تأخذ بها، واعتماد سياسة معينة للمصرف المركزي وتصحيح الخلل في العلاقة بين الدولة والقطاع المصرفي بحيث تفي الدولة بالتزاماتها، لانها ومنذ سنوات بعيدة وهي تمارس سياسة الهروب الى الامام وليس فقط مصرف لبنان”.