حياة المواطن: البنزين أوقفَ النقل والمازوت التدفئة.. والغاز ألغى الطهي

مع بدء مسار المحروقات بالارتفاع قلّص المواطن من استهلاكه للبنزين وحَدّ من حركته على الطرقات الّا للضروريات بُغية خفض فاتورة تنقلاته. ومع تحرير سعر المازوت، استغنت آلاف العائلات عن الاشتراك بالمولد للتخلص من عبء الفاتورة التي لم تقل عن مليون ليرة، واعتبر البعض انه يمكن استبدال المازوت بالغاز للتدفئة خلال موسم الشتاء المقبل، الا انّ رفع الدعم عن الغاز وارتفاع اسعاره شكّل ضربة قاسية للعائلات في وقت لا يمكن الاستغناء عن هذه المادة في المنزل، أكان للطهي أو للتدفئة في ايام الشتاء.

فهل المطلوب ايضاً الاستغناء عن إعداد الوجبات؟ في الجبال يمكن استبدال الغاز بالحطب ولكن ما البديل في المدن خصوصاً ان سعر القارورة مرشّح لمزيد من الارتفاع في الاسابيع المقبلة لا سيما في ظل ارتفاع اسعاره عالميا وارتفاع سعر الدولار محلياً؟ وعليه، هل لا يزال ممكناً تضييق الخناق أكثر على المواطن، خصوصاً انّ قدرته الشرائية باتت معدومة.

هذا في الجانب الحياتي، امّا في الموازاة فلا بد من مراقبة حركة سوق الصرف، التي باتت ترتفع بوتيرة سريعة، فبعدما لجأ اليها تجار ومستوردو المازوت أخذ سعره بالارتفاع مقابل الليرة نظرا لارتفاع الطلب عليه، فكيف الحال اليوم مع انضمام تجار ومستوردي الغاز اليها؟ وماذا سيحدث في الغد مع انضمام مستوردي البنزين ايضا؟ يُضاف اليها دخول مصرف لبنان على السوق طالباً الدولار أكان من شركات تحويل الاموال او من السوق الموازي. وكيف ستنعكس كل هذه العوامل على اسعار الوجبات الشعبية مثل المناقيش وصولا الى المخبوزات والوجبات المطعمية؟

«لا يخفى على أحد انّ القطاع السياحي، وخصوصاً المطعمي يمر بأسوأ ايامه» هذا ما اكد عليه رئيس نقابة اصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي، لافتاً لـ«الجمهورية» الى ان القطاع المطعمي، وعلى عكس بقية القطاعات، يشتري كل حاجياته وفق دولار السوق الذي وصل الى 20 الفا بينما دولاره لم يتخط الـ 10 آلاف ليرة، بدليل انّ كلفة الشخص الواحد في المطعم كانت 60 دولارا فتراجعت الى 30، وفي المقهى تراجعت من 20 دولارا الى 10. لكن في المقابل ارتفعت كلفتنا التشغيلية بالمازوت الذي بتنا ندفعه بالدولار خصوصاً انه لا يمكن قطع الكهرباء عن البرادات، وقبله كلفة البنزين (مواصلات الموظفين) واليوم الارتفاع الجنوني بسعر قارورة الغاز الذي انعكس على التجار الذين نشتري منهم مواد اولية، وعلى الكلفة في مطابخنا وأفراننا التي تعتمد على الغاز بشكل اساسي.

وأردف: ان الغاز والمازوت وكلفة مواصلات الموظفين كانت تشكل حوالى 15 % من رقم الاعمال، اما اليوم مع ارتفاع اسعارها فإنّ هذه النسبة زادت الى 40 في المئة، وهذه الكلفة تعد باهظة. واضاف: إذا زدنا اسعارنا 10 الى 15 % وهذا حق، سنخسر النسبة نفسها من روادنا بعدما بات ارتياد المطاعم والمقاهي والملاهي من الكماليات، لأن القدرة الشرائية للمواطن باتت شبه معدومة. ويحاول القطاع ان يحافظ على ما تبقى من زبائنه من الطبقة الوسطى، لذا هو يُحجِم عن رفع الاسعار.

وعن سبل الاستمرارية، يقول الرامي ان القطاع يعيش اليوم على التدفق المالي «الكاش فلو»، فنحن نعمل على ما يتوفر من نقدي في «الجارور» منه، ندفع للعمال والتجار وما تبقى للكلفة التشغيلية التي اصبحت باهظة، الا اننا في المقابل لا ندفع الضرائب ولا الضريبة على القيمة المضافة ولا الرسوم ولا القروض المصرفية… صحيح ان كل هذه التكاليف مؤجلة لكنها بمثابة ديون متراكمة، الا اننا نحاول شراء المستقبل.

وكشف عن تقلص حجم القطاع الى النصف تقريباً، ففي العام 2019 كان القطاع عبارة عن 8500 مؤسسة ما بين مطعم ومقهى وملهى وباتيسري وسناك وحلويات عربية، وأقفل العام 2020 حوالى 5000 مؤسسة، وفي اول 5 اشهر من العام الحالي خسرنا 896 مؤسسة، بحيث بات يتراوح عددنا ما بين 3500 الى 4000 مؤسسة. ولفت الى انّ السناكات هي الاقل تضرراً، فيما المطاعم والمقاهي والملاهي خسرت الكثير من روادها، والخسارة الاكبر تقع في العاصمة بحيث ان اكبر 10 فنادق ذات الخمس نجوم لا تزال مقفلة. وعليه، لا يمكن الحديث عن سياحة في لبنان، وعاصمته خصوصاً تغرق في العتمة. وبعدما كان عديد عمالنا 160 الفاً، فإنّه لا يتجاوز اليوم الـ 35 الى 40 الف موظف.

أما في ما خص قطاع الافران والاكلاف الجديدة جراء ارتفاع اسعار المحروقات، فيقول نقيب اصحاب الافران في جبل لبنان انطوان سيف: لم نعدّ دراسة بعد عن الاكلاف المستجدة للمحروقات والتي تسجل ارتفاعات اسبوعية، انما لا بد من الاشارة الى ان المشكلة لا تنحصر فقط في الاستعمال المباشر للمحروقات، وهنا نعني الغاز والمازوت، انما مشكلتنا ايضا تكمن في انقطاع الكهرباء الذي يزيد من حاجتنا الى المازوت لتشغيل المولدات والذي يزيد من كلفة الصناعة والانتاج. والى جانب غلاء المحروقات من غاز ومازوت، فنحن نعاني أزمة نقل وتنقل للموظفين بسبب ارتفاع اسعار البنزين. فحتى لو قررت المؤسسة تأمين المواصلات لموظفيها فهذا الأمر يكبّدها اعباء اضافية، أما اذا كان على الموظف ان يتكفّل بنقلياته فما عاد يقبل بتعرفة النقل التي أقرتها الدولة مؤخراً، وهي 24 الف ليرة، بدل تعرفة يومياً بما مجموعه حوالى 600 الف ليرة في الشهر، لأن هذه التعرفة باتت اقل من كلفة تنقلاته اليومية، عدا عن انّ الموظف ما عاد يرضى براتب المليون ليرة لأنه بالكاد يكفيه كلفة نقل، لذا بات يفضّل البقاء في منزله على الذهاب الى العمل.

 

مصدرالجمهوربة - ايفا ابي حيدر
المادة السابقةصدور جدول جديد أسعار المحروقات اليوم
المقالة القادمةحمية: إعادة إعمار المرفأ تأتي ضمن استراتيجية متكاملة تؤدي إلى جذب الاستثمارات وزيادة الإيرادات