هل يتكرر مشهد إسقاط الحكومة مرة جديدة في الشارع؟
طرح هذا السؤال الملح جاء استناداً لما يشهده لبنان راهناً من تحرك شعبي مطلبي في الشارع، يشبه إلى حدّ بعيد ما سبق وخبره لبنان في 16 أيار 1992، حين أدى إقفال الطرقات بالدواليب المشتعلة إلى إسقاط حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي.
يومها، كان لبنان قد بدأ يستعيد أنفاسه بعد حرب إمتدت 15 عاماً، أتت نيرانها على الأخضر واليابس.
لم يكن تكليف الرئيس عمر كرامي تشكيل أول حكومة ما بعد الحرب بالأمر السهل. إذ كانت حكومته الثانية بعد “إتفاق الطائف” والثانية في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، لكنها كانت الأولى بعد وقف أزيز الرصاص ودوي المدافع، ما أعتُبر في حينه أن مهمته أكثر من صعبة وشبه مستحيلة.
فالحكومة التي تولى رئاستها في 24 كانون الأول 1990، وأعتبرها اللبنانيون هديتهم عشية عيد الميلاد، لما كان ينتظرها من مسؤوليات وطنية تبدأ بإعادة وصل اللبنانيين ببعضهم البعض، وإعادة بناء ما تهدم، وصولاً إلى تحسين الوضع المعيشي للبنانيين.
إلا أن حكومة الأفندي الثلاثينية التي نجحت في حل معظم الميليشيات ودمج بعض عناصرها في مؤسسات الدولة الأمنية، لم تفلح في معالجة الوضع المعيشي، فكان أن قامت بوجهها في 16 أيار 1992 ما عرف ب” ثورة الدواليب”.
في ذلك اليوم تحرك الشارع إحتجاجاً على تردي الوضع الإقتصادي، ولاسيما بعدما بلغ سعر صرف الليرة اللبنانية ثلاثة آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد، وهو ما دفع لإطلاق ثورة الدواليب التي سرعان ما عمّت معظم المناطق اللبنانية، عدا عن تطويق دارة “الأفندي ” في الرملة البيضا بنيرانها وسحب دخانها الأسود الذي غطى كل سماء لبنان تقريباً.
تحت وطأة الشارع استقال كرامي من رئاسة الحكومة، ليدخل بعدها لبنان مرحلة جديدة مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إتسمت بإطلاق ورشة إعمار ضخمة، وإعادة لبنان إلى خريطة العلاقات العالمية، فيما بقيت معالجة أسباب تردي الأوضاع المعيشية معلقة على جلجة الوعود وصولاً حتى اليوم، إذ نحن على بُعد شهر بالتحديد من ذكرى مرور 27 عاماً على إسقاط حكومة الأفندي في الشارع، وها نحن أمام المشهد والسيناريو نفسه، حرق دواليب وقطع طرقات في معظم المناطق، وإعتصامات في الشارع ومحيط مجلس النواب وللأسباب المعيشية نفسها والتي لم تتغير ظروفها أبداً، بل على العكس زادت من حدتها أسباب جديدة لم تعد خافية على أحد.
وإذا كانت حكومة كرامي قد أسُقطت بسبب الإرتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، ما أدى لإنفلاج الوضع المعيشي وترديه وبلوغه مرحلة اليأس، فإن حكومة الرئيس سعد الحريري اليوم ممنوعة من السقوط، فلا ما يروج له عن حسم نسبة معينة من رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين من عسكريين ومدنيين ( وإن قابله نفي رسمي)، يسمح بإسقاط الحكومة ولا تردي الخدمات الحياتية إلى حدود الصفر يسمح بذلك، و”لا أي أمر آخر يسمح بذلك، لإن إسقاطها يعني إنهيار لما تبقى من مفهوم دولة تقف على شفير هاوية الإفلاس المادي بعد الافلاس المعنوي والأخلاقي.