خطة التعافي … تعديلات تصنع الفارق

وسط الغموض في تفاصيلها والانتقادات على عناوينها، تبقى خطة التعافي الحكومية التي اقرّتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، هي مفتاح التفاوض مع الجهات الخارجية، والتي على أساسها قد يحصل لبنان على الدعم المالي المنشود لانتشاله من أزمته المتفاقمة يومياً.

رغم انّ النقاش في الخطة لم يبدأ بشكل جدّي لدى السلطة التشريعية، يرى كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي د. غربيس ايراديان، انّ الخطة التي وضعتها الحكومة السابقة تراعي جزءاً من الأهداف التي نصّ عليها الاتفاق المبدئي الموقّع مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى الإصلاحات الضرورية لوضع الاقتصاد على مسار انتعاش قوي. معتبراً في مقابلة مع «الجمهورية»، انّ بعض جوانب خطة التعافي الحكومية يحتاج إلى إعادة النظر للتأكّد من أنّ أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيضع فعلاً الاقتصاد والقطاع المالي على أساس متين. وعدّد ايراديان بعض التعديلات المطلوبة على الخطة، منها:

أولاً: يمكن إعادة النظر في موضوع الاقتطاع haircuts من الودائع، معتبراً انّ الاقتطاعات المطروحة قد تدمّر أي ثقة متبقية في القطاع المصرفي وستقوّض قدرة القطاع المصرفي على لعب دوره الوسيط الأساسي في دعم النشاط الاقتصادي. مؤيّداً الأصوات التي تطالب بتحميل الحكومة ومصرف لبنان جزءاً أكبر من الخسائر المالية المقدّرة بنحو 73 مليار دولار.

ثانياً: رأى ايراديان انّ توقعات الحكومة على المدى المتوسط متحفظة وحذرة للغاية. معتبراً أنّ الاقتصاد يمكن أن يتعافى بسرعة بالنظر إلى قاعدة الانطلاقة المنخفضة (بعد انكماش الاقتصاد بنسبة 45% في السنوات الأربع الماضية)، والافتراض بأنّ جميع الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي يتمّ تنفيذها في الوقت المناسب، وأنّ لبنان سيحصل على 15 مليار دولار كمساعدات مالية من الخارج بين العام 2023-2026 (ما يعادل 70% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022).

ثالثاً: يجب أن توضح خطة الإصلاح الحكومية المعدّلة، للجميع، أنّ معظم الودائع مضمونة ويمكن الحصول عليها خلال السنوات العشر المقبلة.

رابعاً: يقترح ايراديان في هذا السياق، مجموعة من الخيارات التي من شأنها أن تساعد في تسوية الودائع أو جعلها متاحة على مدى فترة تقل عن 10 سنوات، اعتماداً على فئة الودائع، مع إعطاء الأولوية لإعادة الودائع التي تقلّ عن 200 الف دولار أميركي، والتي تمثل 95% من إجمالي عدد الحسابات المصرفية، وذلك خلال فترة أقصر.

إعادة معظم الودائع؟

تعتمد اقتراحات ايراديان بشكل اساسي على موضوع استدامة الدين العام، وهو أمر بالغ الأهمية في أي برنامج لصندوق النقد الدولي. حيث انّه في سياق برنامج إصلاح شامل واتفاق مع صندوق النقد الدولي، يصبح جزء كبير من الودائع بالعملات الأجنبية متاحاً، بالليرة اللبنانية. وسيؤدي تنفيذ برنامج الإصلاح الشامل المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي إلى استعادة الثقة، ووضع الاقتصاد على مسار انتعاش قوي، واستقرار سعر الصرف الموحّد حول مستوى أقل بكثير من سعر الصرف الحالي في السوق السوداء. في هذه الحالة، يمكن لمصرف لبنان توفير سيولة كافية بالليرة اللبنانية، مما يسمح للمصارف بتلبية الطلب على ودائعها. وسيكون هناك ارتفاع مؤقت في سعر الصرف الموحّد، حيث يندفع بعض الناس لتحويل الليرة اللبنانية إلى دولارات. لكن سعر الصرف قد يعود إلى مستوى أكثر استدامة بمجرد انحسار الاندفاع الأولي. وسيعتمد مدى الاندفاع بشكل حاسم على صدقية الحكومة والثقة التي أوجدتها.

يمكن أيضاً تسوية جزء كبير من الودائع بالعملة الأجنبية، والتي تعود إلى 5% من فئة المودعين الكبار، (اي الذين تتجاوز حساباتهم 200000 دولار) على مدى 10 سنوات، عن طريق إنشاء صندوق استرداد الودائع (DRF). على صعيد الأصول، يمكن أن يشمل صندوق استرداد الودائع شهادات الإيداع (CDs) الصادرة عن البنوك من حساباتها لدى مصرف لبنان. يجوز أن تحمل شهادات الإيداع معدلات فائدة تبلغ حوالى 4% سنوياً في المتوسط ، يدفعها مصرف لبنان ويودعها لدى صندوق استرداد الودائع. قد تقوم الحكومة أيضاً بتحويل ما لا يقل عن نصف الفوائض الأولية المتوقعة (التي نتوقع أن تتجاوز 2% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تجاوز نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 6% بعد عام 2023 في ظل سيناريو التفاؤل لدينا) إلى صندوق استرداد الودائع.

يمكن للحكومة أن تمنح امتيازات لشركات متعددة الجنسيات لإعادة بناء وإدارة مرفأ بيروت لمدة 20 عاماً. يمكن ان تدرّ هذه الامتيازات، مليارات الدولارات. بالإضافة الى ذلك ، ستدفع هذه الشركات ضرائب كبيرة للخزينة على دخلها السنوي. ويمكن تطبيق هذا النهج أيضاً على المؤسسات الأخرى المملوكة للدولة، بما في ذلك قطاع الكهرباء والاتصالات والمطار وخطوط طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان ومصلحة التبغ والتنباك «الريجي». عندما تصبح هذه المؤسسات فعّالة ومربحة، يمكن تشجيع المودعين على الاكتتاب في رؤوس أموالها.

يمكن للسلطات إنشاء صندوق عقاري وطني national real estate fund (NRF) يشمل محفظة الأراضي المملوكة للدولة. من خلال تخطيط استراتيجي وإدارة أفضل، قد يولّد هذا الصندوق أرباحاً سنوية كبيرة، يمكن استخدام نصفها لتمويل الخدمات العامة الأساسية وتحسين البنية التحتية ، في حين يمكن تحويل النصف الآخر إلى صندوق استرداد الودائع لإعادة اموال المودعين.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن إنشاء صندوق على غرار الصندوق العقاري الوطني، للحفاظ على عائدات الغاز المرتقبة للأجيال القادمة. ويمكن تخصيص جزء كبير من هذه الإيرادات للمودعين. رغم انّ هذه الايرادات قد لا تتحقق قبل العام 2030.

مصدرالجمهورية - رنى سعرتي
المادة السابقةالسفيرة الأميركية: حلّ الكهرباء يحتاج وقتاً.. والصناعة تحقق نمواً!
المقالة القادمةباخرة محملة بالمازوت وصلت الى معمل الزهراني.. فهل ستتحسن التغذية؟