سعر الدولار يتسارع نحو 15 ألف ليرة

المشهد أمس كان مأسوياً. فمع بلوغ سعر صرف الدولار 15 ألف ليرة مقارنة مع 10 آلاف ليرة قبل بضعة أيام، اجتاحت الأسواق صدمة التضخّم المفرط. في إحدى السوبرماركت، كان سعر السلع على صندوق المحاسبة يقفز بين لحظة ولحظة، إلى أن صرخ أحد المديرين عالياً: الدولار وصل إلى 15 ألف ليرة. أوقفوا المبيع. هذه ليست رواية منقولة عما بدأ يحصل في فنزويلاً في عام 2014، بل حادثة مثبتة في لبنان. فالتسارع في ارتفاع سعر صرف الدولار، ضغط على الجميع؛ المستهلكون تزاحموا على أبواب السوبرماركت من أجل تموين السلع قبل زيادات إضافية في الأسعار في محاولة للحفاظ على ما تبقى من قوّة شرائية لمداخيلهم، بينما التجّار كانوا على جهوزية تامة عند صناديق الدفع، للحفاظ على رساميلهم من الذوبان. المسافة الفاصلة في ميزان القوى بين الطرفين لم تتغير، بل ما زالت لمصلحة الفئة الأقوى. التجّار مدفوعين بجشعهم لديهم أفضلية على المستهلكين المفجوعين بأجورهم.

كان متوقعاً أن يحصل هذا الأمر بمجرد بدء رفع الدعم عن أسعار السلع الأساسية المستوردة. بالفعل، يأتي هذا التطوّر بعد بدء إلغاء الدعم عن بعض السلع الغذائية المستوردة، وبعد جفاف السوق من الدولارات التي سحبتها المصارف وأجّجت مضاربات واسعة على العملة. ما يحصل ليس سوى البداية. فوزير المال غازي وزني، ”بشّرنا“ أمس، في مقابلة مع ”بلومبرغ“ بتقليص دعم المواد الغذائية والبنزين، مشيراً إلى أنه ستزال بعض المنتجات عن قائمة السلع المدعومة، بينما يتم التخطيط لزيادة أسعار البنزين خلال الأشهر المقبلة عبر ”خفض دعم البنزين من 90% إلى 85%».

سلوك السلطة ومديرها التنفيذي حاكم مصرف لبنان، أدّى خلال أقلّ من سنتين إلى تضاعف سعر الدولار 10 مرّات مقارنة مع السعر المثبت على 1507.5 ليرات وسطياً. قفزة كهذه، هي واحدة من أبشع وأسوأ أنواع الضرائب التي تفرضها أي سلطة على شعبها. يسمّيها الوزير السابق شربل نحاس ”تشليح“. فهي تصيب القوّة الشرائية للمداخيل والمدخرات. تضرب فئات الدخل الأدنى بشدّة. تذوّبهم وتعصرهم. هي ضريبة خسيسة تشبه العقل الذي يفرضها. تداعياتها طويلة المدى، وتُسبّب الفقر الاقتصادي والفقر الغذائي، وتدفع نحو هجرة الشباب وخصوصاً ذوي الكفاءات العالية.

عملياً، تُرك استيعاب الانهيار ومعالجة تداعياته بيد حاكم مصرف لبنان. خطّته للإنقاذ نيابة عن السلطة وباسمها، قضت بإصدار تعاميم تهدف إلى إطفاء خسائر القطاع المصرفي. هي الخسائر الواقعة بين مثلث: مصرف لبنان، المصارف والمودعون. ووسط هذا الأمر، كان هناك قطبة اسمها «الدعم»، أي السلع التي أبقى مصرف لبنان استيرادها على دولار الـ 1520. مُوّل هذا الدعم بما تبقّى من دولارات لدى مصرف لبنان. الدعم استنزف الدولارات. أما الرجوع عنه فسيحدث صدمة تضخمية هائلة. هكذا تقرّر أن تكون الصدمة على جرعات. تقليص الدعم وترشيده ليواصل الناس تسديد الثمن من مداخيلهم ومدخراتهم. خطّة في غاية المكر والبشاعة ستولّد المزيد من الفقر والكثير من الهجرة.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةالليرة تستسلم لقدرها بعد انهيار الثقة بالكامل
المقالة القادمةالتدقيق الجنائي حبيس مراسلات لا تنتهي!