كتب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مقالا في صحيفة the parliament، تحت عنوان “هل ينجو الاقتصاد اللبناني من قلب العاصفة؟”، جاء فيه: “يرى الجميع دون استثناء ملامح عاصفة تلوح في الافق وتهدد بانهيار مالي واقتصادي في لبنان، الذي يعيش في ظل أزمات متعددة وفي محيط مأزوم، وهو الأكثر تأثرا بأحداث العالم السياسية والمالية والاقتصادية التي تحول دون خروجه من وضعه الصعب على الدوام. وبحسب ما كشفته وكالة “بلومبرغ” الأميركية عن صندوق النقد الدولي قوله إن الاقتصاد اللبناني يتجه في مسار لا يمكن تحمله، مما يتطلب تحركا طارئا لاستعادة ثقة المستثمرين، والتشدد في الحركة المالية العامة، كما أشار الصندوق إلى حجم القرارات المكلفة سياسيا، التي يجب على لبنان اتخاذها من أجل إنعاش اقتصاده.
إن تقييم الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان يعود لأسباب عديدة، منها العجز المرتفع بميزانية الدولة والذي بلغ 11 في المئة من الناتج المحلي، بما يعادل 6 مليارات دولار سنويا، وهذا الارتفاع أتى بعد اندلاع الازمات في محيط لبنان، ولا سيما الازمة السورية المستمرة منذ العام 2011، والتي أثرت سلبا في كل قطاعات الاقتصاد اللبناني الذي سيبقى يعاني خلال هذا العام تداعيات التوترات الجيوسياسية التي لا تزال تشكل عبئا على النشاط الاقتصادي، إلا في حال اتخذت الدولة اجراءات كخفض حجم القطاع العام ليستطيع الاقتصاد اللبناني تحمل ميزانية الدولة، مع العلم ان ارتفاع العجز من مستويات كانت قبل الحرب السورية 35 مليار دولار الى وضعه الحالي لم ينتج منه نمو بل ازداد العجز في مقابل انخفاض عملية النمو الاقتصادي.
أما على الصعيد النقدي والمالي، فاستطاع لبنان الحفاظ على استقراره بالرغم من كل التقارير السلبية التي صدرت بكثافة منذ عام 2015، نظرا الى حجم لبنان الاقتصادي والمالي، مما يشير الى حملة على الاستقرار النقدي الموجود في لبنان، وبالرغم من ذلك ارتفع حجم الودائع في لبنان ب 7.5 عام 2018، ولم يؤخذ في الاعتبار ارتفاع ودائع غير المقيمين، تبعا لقواعد صندوق النقد الدولي. أما الضغط الذي شعر به لبنان فتمثل بارتفاع الفوائد، بحيث ازداد التعامل بالدولار، ولكن هذه الزيادة لم تؤثر على موجودات مصرف لبنان لأنه استمر باستقطاب الدولار الى محفظته.
لبنان دفع ثمن الحرب السورية بصعوبة من خلال توقف حركة التصدير البري وتحمل كلفة اللاجئين في كل المجالات التي بلغت 14 مليار دولار، وساهمت هذه الازمة في هروب رؤوس الاموال العربية من لبنان.
وفي ما يتعلق بالعقوبات على “حزب الله” الصادرة من الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا, فهذه القوانين لن تؤثر على المصرف المركزي، وذلك لأنه اتخذ قرارات مسبقة ووضع آليات عمل جنبته تداعيات هذه العقوبات، ولبنان يحترم القرارات الصادرة عن الدول عندما يتعاطى بعملتها، وهذه الدول ابدت ارتياحها الى طريقة تعامل المصرف المركزي مع هذا الامر و طبعا لم يظهر تأثير يذكر لهذه العقوبات على الوضع المالي و المصرفي اللبناني و تبقى العقوبات سياسية أكثر منها مالية تطبيقية. ان القطاع المالي و الاقتصادي في لبنان يعيش على التحويلات وأي مساس بهذا الامر سيمنع تمويل لبنان, فسنويا يصل الى لبنان من المغتربين ما يقارب 7 مليارات دولار هذا عدا عن الحركة التجارية بين لبنان والخارج التي تصل الى حدود 19 مليار دولار سنويا. وكما نلاحظ، فالاقتصاد اللبناني مدولر، بمعنى انه اذا ما ضعف الدولار في السوق انتهى الاقتصاد في لبنان.
وفي سياق متصل، زار لبنان منذ ايام السفير بيار دوكان المفوض بتنسيق مقررات مؤتمر سيدر الذي أكد لجميع من التقاهم ان أموال سيدر متوافرة فور تنفيذ بعض الاصلاحات التي تمنى على الدولة القيام بها في بعض اجهزة الدولة المعنية كشركة الكهرباء ومطار بيروت الدولي اضافة الى قطاع النقل والمواصلات، وذلك من أجل إعطاء الثقة للمقرضين.
نظرا الى كل ما تقدم، يبقى الوضع المالي والنقدي والاقتصادي اللبناني مستقرا رغم كل الظروف الداخلية والخارجية، وسيتحسن اذا ما نفذت الحكومة ما تعهدت به في بيانها الوزاري بشقه المتعلق بالإصلاحات الاقتصادية”.