سوق سوداء للقمح: أوكرانيا تحذّر.. ولبنان يُطمئن لثلاث سنوات

انتقل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من التحذير تدريجياً من نقص الغذاء إلى احتمال حصول “مجاعات جماعية”. والأخطر، هو عدم تمكّن البرنامج في المستقبل من تأمين الغذاء الكافي، لأن نحو نصف قمحه المستعمل في المساعدات، يأتي من أوكرانيا. وتتعاظم المخاطر مع ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، ما يقوّض فرص تأمين الكميات المطلوبة لمواجهة نقص الغذاء.

ويُبنى التحذير على مؤشرات حيوية من الداخل الأوكراني نفسه، إذ رأى منسق الطوارئ المعني بالأزمة الأوكرانية في برنامج الأغذية العالمي، جيكوب كيرن، أن “سلسلة إمداد الغذاء في أوكرانيا تنهار في ظل تدمير قطاعات من البنية التحتية، وحركة السلع تتباطأ بفعل انعدام الأمن وعزوف السائقين عن نقل البضائع”. أما في حال تجاوز المخاطر الأمنية والتوصّل إلى حماية الممرات الآمنة لنقل الغذاء، فإن احتياطات الغذاء في أوكرانيا “تكفي لمدة عام، ولكن قد لا تكون هناك محاصيل كافية للتصدير إذا حالت الحرب دون الزراعة”، وفق ما أكّده مستشار الرئيس الأوكراني، أوليه أوستينكو. وعدم تمكّن أوكرانيا من زراعة أراضيها، يعني نقل أزمة الغذاء إلى مرحلة أشد خطورة.

على شاكلة عبارة “لا داعي للهلع” التي احترفها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في توصيفه وضع الليرة، يطلق وزير الزراعة عباس الحاج حسن عبارته الخاصة بالأمن الغذائي اللبناني، إذ طمأن في حديث لوكالة سبوتنيك الروسية، بأن “لا داعي للخوف”. ويستند الحاج حسن إلى الأسواق الأخرى والزراعة الداخلية.

لا شيء يضمن استمرار وصول القمح في المديين المتوسط والبعيد، طالما أن آثار الحرب تطال الاقتصاد العالمي، وبالتالي، فالأسواق الأخرى التي يتكىء عليها لبنان، تصبح مجبرة على حماية أمنها، بدءاً من تقليص حجم القمح والمواد الغذائية المعدّة للتصدير، وصولاً إلى تخزينها بالكامل للاستعمال الداخلي. وقد بدأت الجزائر بهذه الخطوة منذ نحو شهر.

اللجوء إلى الزراعة المحلية هو أحد الحلول المطروحة لدى الدولة. فوزارة الزراعة “بصدد وضع استراتيجية لزراعة القمح ليكون لدينا منتج منه في الداخل اللبناني، وعلى أقل تقدير خلال السنوات الثلاث القادمة ننتج ما لا يقل عن 40 بالمئة من حاجة السوق اللبنانية”.

يستطيع لبنان زراعة كميات كبيرة من القمح تساعده على ضمان أمنه الغذائي، وإن كانت الكميات المزروعة لا تكفي حاجة السوق كلياً. وتجربة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في زراعة القمح، خير دليل. وكما كانت المناكفات بين الوزارات سبباً لعدم استكمال التجربة وتطويرها، فقد تكون سبباً في المستقبل. فالخطوة الأساسية لإنجاح زراعة القمح هي “تطمين المزارع لناحية استلام محصوله بأسعار مناسبة، إضافة إلى تأمين البذور للزراعة، سواء من خلال استيرادها أو إنتاجها في لبنان”، وفق ما يقوله رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك لـ”المدن”.

العقبة الأساسية في الملف بنظر حويّك “من حصّة وزارة الاقتصاد التي عليها تحديد السعر التشجيعي واستلامها القمح من المزارعين ودفع المستحقات في أسرع وقت، لا تأجيل الدفع لنحو 5 أشهر كما يحصل حالياً. وحينها، يسارع المزارعون إلى استثمار أراضهم في زراعة القمح.

وهناك نوايا حسنة ظاهرة لدى وزير الزراعة وسقف توقعات مرتفع: زراعة 40 بالمئة من الحاجة المحلية، وهو أمر ممكن إذا توافرت الشروط والقرار السياسي. ولبنان لا يملك الوقت للمماطلة. فحتى لو بدأت الزراعة في شروط متكاملة، فإن السنوات الثلاث هي فترة طويلة في ظل الضغط الذي يعيشه لبنان إثر أزمته الداخلية، فضلاً عن انعكاسات الأزمة العالمية. ولا يجب التغاضي عن أن تأمين نسبة 60 بالمئة الباقية، ليس بالسهولة المتخَيَّلة، فتأمينها خاضع لضغوط السعر والكميات المتوفرة والوقت اللازم لوصول الشحنات. ولا يستبعد الحويّك وسط تأزّم الوضع عالمياً، ظهور “سوق سوداء للقمح على مستوى عالمي. فهل يشتري لبنان لاحقاً من السوق السوداء؟”.

إذا التزمت الدولة بجدية دعم زراعة القمح “يمكن تأمين كميات كبيرة خلال أقل من 3 سنوات”. وما يسهّل الاستفادة من الانتاج المحلي، هو التقليل من التمييز بين القمح الطري والقاسي في صناعة الخبز. برغم أن السائد هو استعمال القمح الطري. لكن الحويك يؤكّد استعمال القمح القاسي في صناعة الخبز في لبنان، وتحديداً “خلال حرب تموز 2006”.

ويشرح الحويك أن “الطائرات الإسرائيلية كانت تستهدف الشاحنات التي تنقل القمح من بيروت إلى المناطق، ولم تستطع الشاحنات إيصال القمح الطري من بيروت إلى طرابلس. فاستعانت منطقة الشمال بالقمح القاسي الموجود لدى المزارعين في عكار، وسلّم القمح إلى المطاحن في الشمال وصنعت الأفران الخبز بطحين القمح القاسي. وبعد تأكيد الأمر للمسؤولين السياسيين في إطار تدعيم انتاج القمح محلياً وتسريع تسليمهم مستحقاتهم لتشجيعهم، قال أحد النافذين والمقرَّب من رئيس وزراء أسبق، أن “إسرائيل لن تهاجمنها دائماً”، أي أننا لسنا مجبرين دائماً على دعم المزارعين وتسريع تسليمهم الأموال. وهذا النافذ ذو المنصب الرفيع في مؤسسة تمويل دولية، قال بشكل علنيّ: “لا نريد أن نساعد ولا أن ندعم ولا أن نحمي زراعة القمح، فإذا أمكنكم المنافسة، فنافسوا، وإذا لم تستطيعوا، فهاجِروا وافعلوا ما شئتم، فنحن مع تحرير كل شيء”.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةجريمة ضخ الدولار: 1.7 مليار دولار اختفت
المقالة القادمةصحيفة فرنسية تتنبأ بالمخاطر التي ستحل بالاقتصاد العالمي جراء الحرب في أوكرانيا