طرقات لبنان… باتت فنزويلية ويمنية في سوئها

يمضي اللبنانيون يومياتهم «يُصفّرون بالعكس» Reverse whistle خلال تجوالهم اليومي بالسيارة على الطرقات اللبنانية، وخصوصاً في فترة المساء حيث لا إنارة ولا عاكسات ضوئية كما يجب، فيقود اللبناني معتمداً على عين الله التي ترعاه، وكلٌّ ينال نصيبه من الحفر. فأي غلطة أو «سهوة» صغيرة على الطريق، إن لم تكلّفه حياته نتيجة اصطدامه بعائق باطوني، ستكلّفه راتبه بسبب «النزول» في حفرة من هنا وأخرى من هناك وما أكثرها.

لا صيانة ولا مشاريع تنفّذ على طرقات لبنان. هكذا أصبحت الصورة الفراغية في السنوات الثلاث الماضية، وهو واقع حزين استفحل وبات من البديهيات في جائحة الإنحدار المالي والإقتصادي التي انطلقت شرارتها في نهاية العام 2019 وترسّخت في يومياتنا المرتبطة بانهيار سعر العملة المحلية المستمر.

على وقع موجة تقلّبات أسعار صرف الدولار، التي تضرب كل القطاعات الإقتصادية في البلاد، تئن وزارة الإشغال العامة مثلها مثل سائر الوزارات من الموازنة الضئيلة التي تخصّص لها والبالغة لـ»الأشغال» ما قيمته 2 مليون دولار أي ما يوازي نحو 200 مليار ليرة لبنانية.

ماذا يقول الوزير؟

وهذا الأمر هو السبب المباشر كما كشف وزير الإشغال العامة والنقل علي حمية في حديثه الى «نداء الوطن» لواقع الطرقات المزري في لبنان والذي جعل من عملية الصيانة الدورية مسألة صعبة التحقيق.

وللغاية ، ومقابل عائدات باتت تحقّقها الوزارة من المرافق العامة التي تديرها كالمرفأ والمطار… تبلغ اكثر من 350 مليون دولاراً نقداً تودع في الخزينة العامة، تقدّم الوزير بكتاب منذ نحو 10 أيّام كما كشف لنا «الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء مطالباً بتزويد الوزارة بالمال الذي تحتاجه لإنجاز الصيانة على الطرقات التي أصبحت مترهّلة».

وحول كلفة الصيانة السنوية قال حمية: «يبلغ طول شبكة الطرقات المصنّفة نحو 6700 كلم، كلّفت يوم إنشائها 3.5 مليارات دولار، نسبة 3% من المبلغ هي كلفة الصيانة الدورية استناداً الى المعايير الدولية، أي ما يعادل نحو 105 ملايين دولار، في حين أن كلفة الصيانة على اصولها تتطلب 250 مليون دولار. مع العلم هنا ان وزارة الأشغال في العام 2019 أعدّت دراسة لصيانة الأوتوسترادات تبين لها أنها تكلّف وحدها نحو 150 مليون دولار».

أما مشاريع صيانة الطرق فغير مسهلة، لأنه عند إعداد دفتر الشروط لصيانة الطرقات يكون صرف الدولار بسعر أمام الليرة وعند استدراج العروض يتغيّر سعر صرف الدولار وعند التلزيم يختلف السعر أيضاً وعند العمل وعند القبض… كما قال.

وسأل حمية «في ظل تقلّب سعر صرف الدولار، من سيتقدّم الى مناقصة لصيانة الطرقات والإرساء على مبلغ محدّد، علما أن المتعهدين في المقلب الآخر يرفضون إنجاز اشغال مقابل بدل وتسعيرة بالليرة اللبنانية؟». مشدّداً على «ضرورة صيانة شبكة الطرقات بالشكل المطلوب لأنها تشكّل عنصراً أساسيا للسلامة العامة وخصوصاً أنه لدينا مشاريع عدة الآن وقبل بداية موسم الشتاء وتتطلب «فريش دولار»، وفي حال عدم توفّره سنقع في مشاكل.

تصنيف عالمي بمراتب متأخرة جداً

فاستناداً الى وضع الطرقات في قبل انفجار الوضع المالي عام 2019، كان لبنان استناداً الى مؤشّر نوعية الطرقات الذي يصدر ضمن مؤشّر التنافسية العالمي سنوياً في المنتدى الإقتصادي العالمي، يسجل 2.6 نقطة محتلاً المرتبة 126 بين 142 دولة ليعادل فنزويلا والباراغواي ومولدوفا. في حين أن سنغافورة احتلت المرتبة الأولى في نوعية وجودة الطرقات بـ6.5 نقاط وتليها هولندا 6.4 وسويسرا 6.3 وهونغ كونغ واليابان 6.1. أما قبرص ومصر فاحتلتا المرتبتين 28 و 29 بـ5.1 نقاط . وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمالي افريقيا، يحتلّ لبنان المرتبة ما قبل الأخيرة اذ يأتي قبل اليمن وبعد تونس محتلاً المرتبة 13 من أصل 14 دولة.

وهذا المؤشّر إن دلّ على شيء فعلى أن الواقع المرير للطرق في لبنان كان مزرياً أصلاً ، فكيف بالحري اليوم في ظلّ غياب الأموال وتوقّف الورش التي كانت تقام لإصلاح الطرقات وصيانة الجسور، فاليوم بالكاد تستطيع وزارة الأشغال سدّ حفرة ببعض من الأتربة والزفت المتوفّر. أما عن الإنارة فحدّث بلا حرج عن «العتمة» التي تخيّم على الطرقات نتيجة عدم توفّر التغذية الكهربائية.

الطرقات مستهلكة بسبب الكثافة السكانية واللاجئين

وحول الدرك الذي وصلت اليه الطرقات اعتبر رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية مارون الحلو خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن «الطرقات في لبنان مستهلكة بسبب الكثافة السكانية ووجود اللاجئين السوريين في لبنان وغياب الصيانة دورياً أقلّه سنويّاً، علماً أنها اصلاً مترهّلة». لافتاً الى أن «المشاريع التي كانت على عهدة تمويل من البنك الدولي في بعض المناطق اللبنانية أعطت بريق أمل، علماً أنه عند توفّر الإمكانات تنفّذ الطرقات بمواصفات عالية، وسبق أن نفّذ المتعهدون ورشات مموّلة من البنك الدولي على بعض الطرقات وكانت ناجحة وبمواصفات عالية ومراقبة مشدّدة».

وبذلك لا يختلف اثنان على أن عدم صيانة الطرقات من شأنه الحاق الأضرار والمعاناة بكافة فئات الشعب خصوصاً وأن الأكلاف تسدّد بالدولار النقدي. وتؤدّي كما قال «الى حوادث وتتسبب بأضرار جسدية ووفيات، فضلاً عن الأضرار المادية التي تلحق بالطرقات وبالسيارات». ما يزيد أيضاً من الأكلاف على شركات التأمين ويحرّك عجلة «كاراجات» الحدادة والبويا ومحال بيع القطع».

المشاريع الممولّة من الخارج مستمرّة والمحلية إلى زوال

وبالنسبة الى مشاريع المقاولات، أكّد الحلو أنه «سيتمّ فسخ العقود المموّلة محلياً بل تصفيتها وإنهائها ولا نستطيع إنجازها بسبب ضرورة معالجة مسألة السلامة العامة. أما تلك المموّلة من الصناديق الخارجية، فهي مستمرة ولكن مطلوب من الدولة أن تسدّد الأقساط المترتبة عليها للسير بتمويل الصندوق العربي والكويتي وصندوق البنك الإسلامي».

وهذا الأمر برأيه «يخلق متنّفساً، ووعد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد لقاء مع وفد من نقابة المقاولين، بتسديد الدولة لتلك المترتبات، ما سيخلق حركة في البلاد. وستخلق تلك المشاريع الممولة من الخارج بارقة امل بإعادة الأمل بالمشاريع ذات التمويل الخارجي».

وأضاف الحلو استناداً الى دراسة أعدّتها نقابة المقاولين ومجلس الإنماء والإعمار، «أن كلفة الحد الأدنى لتأمين السلامة العامة للمشاريع المتوقفة والتي نطالب بفسخها هي بحدود الـ10 ملايين دولار، أو 50 مليون دولار لإنهاء العقود وحتى الآن لم يبت بهذا الكتاب ولم ترجع الكفالات.

فالأموال غير متوفرة، ولكن رئيس الحكومة وعد بتأمين الـ10 ملايين دولار لاستكمال المشاريع المتوقفة التزاماً بمبدأ السلامة العامة فقط. من هنا اشار الحلو الى سعي المقاولين والمتعهدين الى إرجاع الكفالات للمقاولين التي باتت عبئاً على المقاول لأن المصرف يطلب رسوماً بالدولار النقدي في مصاريف الكفالات، رغم أن المشاريع متوقفة، آملاً في إيجاد حلّ مع مجلس الإنماء والإعمار».

دور البلديات بات شبه منعدم بنسبة 90%

ويتساءل البعض عن دور البلديات التي يجب ان تلعب دوراً أكبر في تلبية حاجات مناطقها، لا سيما في ما يتعلق بالمساهمة بمعالجة الحفر التي تطرأ على الطرقات، وفي السياق قال رئيس بلدية فرن الشباك ريمون سمعان لـ»نداء الوطن» إن دور البلدية على صعيد الحفر على الطرقات يقتصر على الأحياء الداخلية، في حين أن الطرقات العامة والأوتوسترادات هي على عاتق وزارة الأشغال، مثل طريق الشام الدولية أوتوستراد الياس الهراوي وإميل لحوّد».

ولكن ما يحصل في هذا الوقت أنه عند وجود حفرة خطرة على الطريق العام وتتقاعس «الأشغال» عن معالجتها، تقوم البلدية بتلك المهمّة، علماً أن وضع البلديات المادي سيئ بعد انهيار الليرة وبالكاد تسعى الى توفير الرواتب. فمن أصل 1050 بلدية، نسبة 90% منها غير قادرة على مزاولة عملها بالإمكانات المتوفّرة لديها اليوم كونها تتقاضى العائدات بالليرة اللبنانية، لذلك تقدم البلديات على تعديل الرسوم البلدية بالقدر الذي يستطيع ان يسعفها لتوفير أقله رواتب الموظفين. من هنا ستقدم بلدية فرن الشباك على سبيل المثال، على رفع الرسم السنوي للبلدية الى مليون ونصف ليكون بحدود 15 دولاراً.

وعادة توفّر البلديات مداخيلها من الرسوم البلدية ومن رخص البناء (المنعدمة في فرن الشباك منذ نحو 4 أو 5 سنوات بسبب الأزمة الإقتصادية)، ومن الصندوق البلدي المستقلّ الذي كان يحوّل في الماضي حصصاً بنحو مليار أو ملياري ليرة سنويا للبلدية، قبل أن يتوقّف عن أداء تلك المهمّة.

وفي ما يتعلق بإنارة الطرقات التي تقوم بها بعض الجمعيات أو المبادرات الخاصة كما فعلت جمعية Rebirth Beirut في الأشرفية، قال هذا الأمر لم ينطبق على منطقة فرن الشباك، ولكن ما حصل ان البلدية ركّبت نحو 250 لمبة تعمل على الطاقة الشمسية جزء منها عبارة عن هبة من افراد.

مطالب قطاع المقاولات وردّ ميقاتي… والحكومة

قدّمت نقابة المقاولين مذكّرة الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في ظلّ عدم مزاولة قطاع المقاولات العمل منذ 4 سنوات، طالبت فيها بـ:

– إنهاء العقود وارجاع الكفالات للمشاريع الممولة محلياً، والتي لا تزال الإدارات والوزارات تمتنع عن تنفيذه بحجة تأمين السلامة العامة للمشاريع غير المنجزة والتي اصبحت معتمدة عند المراجعة بالمشاريع المتوقفة.

– إنهاء وتصفية عقود تشغيل وصيانة محطات المياه والصرف الصحي وغيرها وحتى الآن لم تصفَّ حقوق المقاولين علما أن هناك مرسوم تأمين اعتمادات بمبلغ 288 مليار ليرة لبنانية.

– إلزام الإدارات والوزارات باعتماد سعر صرف 15000 ليرة للدولار الواحد كدولار رسمي والذي هو بنفس الوقت مجحف بحق المقاول ولا يشكل سوى جزء بسيط من حقه.

– انهاء وصرف المستحقات لدى الوزارات ولا سيما وزارتي الطاقة والمياه والأشغال العامة خصوصاً وانها اصبحت لا قيمة لها.

– إستكمال الحكومة دفع مستحقاتها وإكمال إلتزاماتها تجاه الصناديق العربية والدولية.

وبعد مناقشة البنود أصدر الرئيس ميقاتي التوجيهات التالية:

1- التحضير لمشروع قانون بقيمة 10 ملايين دولار لتأمين السلامة العامة للمشاريع المتوقفة.

2- الطلب من وزير المال يوسف الخليل إصدار تعميم بإلزام الوزارات والإدارات والبلديات الدفع على سعر 15 ألف ليرة أو ما يقرره مصرف لبنان.

3- الطلب من مدير عام وزارة المال جورج معراوي إنهاء العقود المدوّرة والمرسلة من وزارتي الأشغال العامة والطاقة والمياه وعدم تدويرها مجدداً.

4- طلب الرئيس ميقاتي من مجلس الإنماء والإعمار إعداد إقتراح لفسخ المشاريع الممولة محلياً وتصفية عقود تشغيل وصيانة محطات المياه والصرف الصحي وغيرها.

5- كما طلب من الوزير الخليل متابعة دفع مستحقات الدولة اللبنانية لصالح الصناديق العربية والدولية لأنها تؤدي الى تمويل مشاريع جديدة وتساهم بقبض المقاولين مستحقاتهم لدى هذه الجهات.

مصدرنداء الوطن - باتريسيا جلاد
المادة السابقةالطعن من جديد بقانون الشراء العام
المقالة القادمة5 أسئلة (وأجوبة) عن أزمة الدين الأميركي التاريخي