يتطلع عمالقة التكنولوجيا إلى تجاوز التركيز على الحوسبة السحابية مع تحول أنظار المسؤولين التنفيذيين بشكل واضح إلى الذكاء الاصطناعي بما قد يعوض للشركات بعض المكاسب التي فقدتها جراء التقلبات الاقتصادية العالمية المعاكسة.
ويرى خبراء القطاع أنه سواء كانت الشركة تبيع الإعلانات أو الهواتف الذكية أو الرقائق الدقيقة، فإنه يجب عليها كلها أن تثبت للسوق أنها في موقع متقدم في السباق نحو الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وقامت شركات مايكروسوفت وألفابت مالكة غوغل وميتا بلامتفورمز وأمازون هذا العام بدمج الذكاء الاصطناعي بقوة في منتجاتها على أمل أن يقود ذلك دورة النمو التالية للصناعة، لكن هذه الجهود ستستغرق وقتا لتؤتي ثمارها.
ويقول المحلل المستقل جاك غولد إنه “إذا كنتم شركة وليست لديكم رسالة خاصة بالذكاء الاصطناعي، فلن تستمروا في العمل لفترة طويلة”.
ويضيف في تصريح لوكالة فرانس برس “لا شيء آخر يهم الآن. الجميع يحاول إطلاق المنتجات بشكل أسرع والتحدث بصوت أعلى من المنافسين”.
وخلال الأسبوعين الماضيين، نشرت مجموعات التكنولوجيا الرئيسية نتائجها المالية للربع الثالث من العام الحالي، وقد فاق معظمها توقعات المحللين، لكن تركيز وول ستريت كان منصبّا فقط على الذكاء الاصطناعي.
وشهدت غوغل، الشركة الأولى عالميا في مجال الإعلان عبر الإنترنت، قفزة في أرباحها الفصلية بنسبة 42 في المئة على أساس سنوي، لتصل إلى ما يقرب من 20 مليار دولار، ما يتجاوز توقعات وول ستريت.
لكنّ أسهمها خسرت رغم ذلك أكثر من 10 في المئة خلال جلستين بسبب النتائج المخيبة على صعيد أعمالها في مجال الحوسبة السحابية الذي يشهد طفرة كبيرة.
واستقطبت خدمات المجموعة العملاقة في مجال الحوسبة السحابية، شركات ناشئة عدة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، “ما سيؤتي ثماره بمرور الوقت، لكنه في الوقت الحالي لا يكفي لإرضاء المستثمرين”، وفق المحلل في شركة إنسايدر أنتلجنس ماكس ويلينز.
وتعد الحوسبة السحابية مجالا رئيسيا لتطوير ونشر ما يسمى بالذكاء الاصطناعي التوليدي، والذي جرى تعميمه على نطاق واسع إثر النجاح الكبير لبرمجية تشات جي.بي.تي، وهي واجهة أطلقتها شركة أوبن أي.آي قبل عام.
ويرى مراقبون كثر في هذه التكنولوجيا منعطفا ثوريا شبيها بما حصل عند ظهور الإنترنت، إذ يتيح الذكاء الاصطناعي التوليدي إنتاج النصوص والصور والأصوات بناء على طلب بسيط باللغة اليومية.
ويعتمد ذلك على تدريب نماذج اللغة في الحوسبة السحابية، وأنظمة الكمبيوتر التي تجمع كميات كبيرة من البيانات لتتمكن بعد ذلك من “إنشاء” المحتوى.
وطوّرت مايكروسوفت، وهي مستثمر رئيسي في أوبن أي.آي وكذلك ألفابت وميتا، نماذجها الخاصة في هذا المجال، مما يبرز تركيز شركات وادي السيليكون على ترك بصمة لها في السوق خلال السنوات المقبلة.
ويؤكد المحلل في إنسايدر أنتلجنسيوري وورمسر أن خدمات الحوسبة السحابية، في مقدمتها أزورمن مايكروسوفت، وأي.دبليو.أس التابعة لأمازون، وغوغل كلاود، “بدأت في جني إيرادات من الذكاء الاصطناعي، حتى لو ظلت التكاليف أعلى في هذه المرحلة”.
ويقول إن “الإثارة تتعلق بالإمكانات المتاحة، والتغيرات المرتقبة، ومدى سرعة التغيير”.
وترتبط التكلفة الرئيسية في هذا المجال بالمعالجات الدقيقة. وقد فازت شركة نفيديا بالجائزة الكبرى قبل سنوات من خلال الرهان على تصميم وحدات معالجة الرسومات، وهي معالجات باهظة الثمن أصبحت ضرورية لمرحلة تدريب برمجيات الذكاء الاصطناعي.
ويقول جاك غولد “نحن بحاجة إلى فهم كيفية استخدام هذا الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف”، لافتا إلى أن “حوالي 80 في المئة إلى 90 في المئة من المهام ستتعلق بالاستدلال”، أي الأداء الطبيعي للنماذج، بعد إنشائها.
ولذلك حرصت شركة إنتل الأميركية العملاقة في مجال الرقائق الإلكترونية، على تسليط الضوء على إمكانات وحدات المعالجة المركزية سي.بي.يو.أس الخاصة بها، وهي المعالجات الدقيقة التقليدية.
وأكد رئيس المجموعة التي تتخذ مقرا في كاليفورنيا بات جيلسنغر أن “الاستخدام الاستدلالي لهذه النماذج هو الذي سيكون مذهلا حقا في المستقبل”، لافتا إلى أن “هذا النشر سيحصل إلى حد كبير عبر معالجات كزيون الدقيقة الخاصة بنا”.
أما أمازون، التي لم تدرب بعد نموذجها الخاص، فستستثمر ما يصل إلى 4 مليارات دولار في شركة أنثروبيك، المنافسة لشركة أوبن أي.آي.
كما ركزت الشركة الأولى عالميا في مجال التجارة الإلكترونية والحوسبة السحابية على بيدروك، وهي أداتها لإنشاء تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية ونشرها.
وقال الرئيس التنفيذي لأمازون آندي جاسي “من الصعب للغاية تحديد النماذج التي يجب استخدامها، وكيفية الحصول على نتائج موثوقة، مع إبقاء التكاليف تحت السيطرة. عملاؤنا يحبون بيدروك 6 لأن الخدمة تزيل الكثير من هذه الصعوبات”.
وحتى أبل، التي لطالما حرصت على التمايز من خلال عدم الانسياق التلقائي وراء التيارات السائدة في القطاع، لم تتمكن من الهروب من المسائل المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التوليدي.
وقال رئيس الشركة العملاقة تيم كوك في وقت سابق هذا العام “نحن بالطبع نعمل على ذلك. لن أخوض في التفاصيل، ولكن يمكنكم التأكد من أننا نستثمر أكثر من القليل في هذا المجال”.
وينتظر المراقبون الخطوات التي ستتخذها صانعة أجهزة هواتف آيفون، خصوصا على صعيد مساعدها الصوتي سيري، الذي لم يشهد تغييرات كثيرة في السنوات الأخيرة.
وأعلنت أمازون أخيرا عن إضافة تدريجية لقدرات الذكاء الاصطناعي التوليدية إلى المساعد الصوتي المنافس أليكسا.
وقالت المحللة في شركة كرييتيف ستراتيجيز كارولينا ميلانيزي “لم يتأخر أحد في السوق التي بدأت للتو، والتي ستتطلب استثمارات، وستبدأ بالشركات قبل أن تصل فعليا إلى المستهلكين”.
وتقول شركة الاستشارات الأميركية ماكينزي إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يضيف نحو 7.3 تريليون دولار من القيمة إلى الاقتصاد العالمي كل عام، وتعتقد أنه يمكن أتمتة نصف أنشطة العمل اليوم بين عامي 2030 و2060.
ومع ذلك، فإن هذا يعني أن الشركات تواجه أيضا تحديات كبيرة، مثل التكرار وإعادة التفكير في نماذج أعمالها، إذا كانت تريد تحقيق إمكانات الذكاء الاصطناعي بالكامل.