تتفاقم المشاكل بين المصارف اللبنانية وحاكمية مصرف لبنان، وتتزايد تعقيدات العلاقة بين الطرفين، وإن كانت لا تزال غير مُعلنة في الوقت الراهن. فالحاكم بالإنابة وسيم منصوري اتخذ قراره بوضع حد للتفلت الحاصل في المصارف، لاسيما لجهة بعض الممارسات بحق المودعين، على ما يؤكد مصدر من المجلس المركزي في مصرف لبنان لـ”المدن”. وإذا كان حل الأزمة المصرفية يستلزم قرارات رسمية من السلطتين التشريعية والتنفيذية، إلا أن بعض الممارسات المجحفة بحق المودعين يمكن التصدّي لها بضبط مصرف لبنان للعلاقة بين المصارف وعملائها، وتشديد الرقابة على تنفيذها التعاميم والقرارات الصادرة عن السلطة النقدية.
المصارف تتصدى للتعميم الأخير
لم يُصدر منصوري التعميم الأخير الذي يمنع فيه المصارف من تقاضي أي عمولات جديدة من حسابات الودائع، عن عبث. إنما أقدم على تلك الخطوة بعد أن لمس مستوى الإجحاف اللاحق بالمودعين وعموم عملاء المصارف، من قبل الاخيرة. فالعمولات المفروضة من المصارف والمتزايدة بشكل مستمر، وصلت إلى حد تجاوزت فيه أي أصول للعمل المصرفي وباتت أشبه بالخوّات أو السرقة.
وتفرض المصارف عمولات على كل الحسابات، مهما كانت عملتها أو حركتها، بما فيها الحسابات الدولارية المحتجزة لديها. وتصل قيمة العمولات الدولارية إلى 100 دولار شهرياً في بعض المصارف، في حين تعتمد غالبية المصارف سعر 100 ألف ليرة للدولار في فرض عمولاتها.
من هنا، يصر منصوري على تنفيذ التعميم ووقف العمولات المستجدة بعد شهر تشرين الأول 2019، مع الفرض على المصارف وضع لوائح تتضمن تفاصيل دقيقة للتكلفة الفعلية للحسابات المصرفية التي تترتب على العميل، وطريقة احتسابها وآلية استيفائها. وهو أمر مرفوض حتى اللحظة من قبل المصارف. وحسب المصدر، فإن جمعية المصارف ستعقد اجتماعات خلال الأسبوع الحالي، فيما بين أعضائها من جهة، ومع منصوري من جهة أخرى، للتوصل إلى صيغة مشتركة بشأن تنفيذ التعميم.
المصارف لم تتلقف التعميم المرتبط بشطب العمولات على الحسابات بطريقة إيجابية، فهي تعوّل على العمولات الشهرية إن بالليرة أو الدولار لتأمين سيولة نقدية تغطي ما أمكن من نفقاتها التشغيلية، ما من شأنه أن يدفعها إلى خوض معركة مع منصوري للتهرب من تنفيذ التعميم الأخير.
اشتباك وشيك مع منصوري
وليس التعميم الأخير السبب الوحيد الذي قد يدفع المصارف إلى شن معركة على منصوري، بل هناك سلسلة من الملفات الخلافية المتراكمة التي تؤسس لاشتباك وشيك بين الطرفين. فتعميم منع العمولات وصفه أحد المصرفيين بـ”الضربة الثالثة” للمصارف، ملمحاً إلى قراري وقف منصة صيرفة وموازنة 2024 على أنهما ضربتين قويّتين.
ولا شك أن المصارف تضرّرت من وقف عمليات منصة صيرفة منذ تولي منصوري حاكمية مصرف لبنان، مطلع شهر آب الفائت. فالمصارف كانت تحقق عائدات دولارية من أموال صيرفة، نتيجة منافذ عديدة، أولها العمولات الدولارية الفريش التي كانت تتقاضاها من عمليات صيرفة، بالإضافة إلى العمليات الفعلية التي كانت تجريها المصارف للاستفادة من دولارات صيرفة. ويُضاف إليها فتح باب الاستفادة على مصراعيه للموظفين ومدراء المصارف الذين حققوا الملايين من المنصة.
أما الضربة الثانية التي أشار إليها المصرفي، فتتمثل بمخاوف المصارف من تحقيق ما وعد به منصوري المودعين مؤخراً بإلغاء التعميم 151، المتعلّق بالسحوبات النقدية على سعر 15000 ليرة، بالاستناد إلى مشروع موازنة 2024. فمشروع الموازنة يعتمد بالعديد من جوانبه دولار منصة صيرفة أي 85500 ليرة، وبالتالي فإن سعر الدولار المعتمد لدى المصارف سيلتغي حكماً ما إن يتم إقرار موازنة 2024، على ما يؤكد منصوري. وهذا أمر ستتصدى له المصارف لأنه سينسحب على ميزانياتها ويرتّب عليها التزامات تجاه العملاء.
وحسب مصادر المركزي، يصرّ منصوري على السير بقراراته “التصويبية”، على حد تعبيره، وعلى رأسها إلغاء العمولات المصرفية المستجدة بعد تشرين الأول 2019، وعدم إحياء منصة صيرفة بنسختها السابقة، واعتماد سعر دولار منصة صيرفة في التعاملات المصرفية بعد إقرار موازنة 2024.
قرارات تعتبرها المصارف ضربات متتالية من حاكمية مصرف لبنان، قد لا تمر بسلام -حسب أجواء جمعية المصارف- لاسيما أن لجنة الرقابة على المصارف لم تلعب دورها كما يلزم إزاء كل المخالفات والارتكابات التي تقوم بها المصارف بحق المودعين، وهي اللجنة نفسها المتشابكة بعدد من أعضائها مع مصالح المصارف.