عندما تغيـب دولـة الرعاية لـصالح الشركات واصحابها من السياسيين

تمكنت الخصخصة من ان تتقدم في لبنان، على حساب الدولة الراعية، التي تخلي دورها لصالح الشركات، ارتباطاً بالرأسمالية، وليس برأس المال عندما يكون استثماراً منتجاً يخدم الاقتصاد، اذ وتحت شعار الفساد والبيروقراطية في مؤسسات وادارات ومصالح الدولة، قامت شركات خاصة موازية، فالى جانب البريد نشأت «ليبان بوست» مثلاً، وايضاً المعاينة المكيانيكية، وغير ذلك من الامثلة، لم تكن نموذجاً يحتذى، اذ يُذل المواطنون عند معاينة سياراتهم، ويدخل السماسرة ومعاقبي المعاملات، ومن يعرض على المواطن اجراء معاينة لسيارته مقابل بدلاً مالياً.

هذا الكلام، مرتبط بالحديث عن ان الحكومة ستعمد الى رفع الدعم عن المواد الاساسية كالمحروقات والدواء والقمح، لان الاموال التي تدفع تذهب الى جيوب التجار والشركات الخاصة، مع تقلص الاحتياط في مصرف لبنان، لدعم السلع الاساسية، بالسعر الرسمي للدولار مقابل الليرة اللبنانية، وهذا الامر لم يكن ليحصل، لولا ان الحكومات المتعاقبة ورقابة مجلس النواب عليها، شرّع العمل للخصخصة التي بدأ العمل بها مع وصول رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة، تقول مصادر سياسية وايضاً نقابية، لتسأل عن دور المكتب الوطني للدواء، الذي انشىء منذ عقود ولم يعمل، ومن عطّله وخدمة لمن، اذ ان من صلاحياته استيراد الادوية، لمنع احتكار الشركات لها، وهو ما سعى اليه وزير الصحة الاسبق الدكتور اميل البيطار في اول حكومة بعهد الرئيس سليمان فرنجية وبرئاسة الرئيس صائب سلام، اذ حاصره «كارتيل» الدواء ومنعه من قيام دولة الرعاية الاجتماعية بمهامها، وهو الذي حوّل مستشفى البترون الحكومي الى ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في تعزيز للمستشفيات الحكومية، لكن اصحاب المستشفيات الخاصة كانوا اقوى من الدولة، وبعضهم تابع لمراجع دينية، كما هي حال المدرسة الرسمية التي امهلتها الحكومة، لصالح مدارس مجانية او نصف مجانية، كما تسمي نفسها، وتدفع لها خزينة الدولة الاموال تحت شعار الدعم، فانتشرت هذه المدارس على حساب المدرسة الرسمية، دون حسيب او رقيب تقول المصادر، لان بعضاً من هذه المدارس او غالبيتها تابعة ايضاً لجمعيات ومرجعيات سياسية ودينية، وساهم بعضها في انتشار التعليم لكن من مال المواطنين سواء كان مباشرة منهم، او من موازنة الدولة.

فغياب الدولة، او تغييبها، لصالح شركات ومؤسسات ومراجع، وترك ايضاً لتتم السيطرة على سوق النفط، الذي يجري الحديث عن رفع الدعم عنه، وقد حاولت وزيرة النفط السابقة ندى البستاني استيراده مباشرة عبر مديرية المنشآت، وهو الدور المنوط بها، وتقوم وزارة النفط بمفاوضات مع العراق، لاعادة تصدير نفطه الى لبنان، الذي تربطه به شبكة انابيب تعود الى عقود، وتصب في طرابلس، والامر نفسه مع شركة «ارامكو» السعودية التي تنقل النفط الى الزهراني.

وما ينطبق على استيراد الدواء والنفط يصل ايضاً الى القمح الذي يوجد مكتب خاص به في وزارة الاقتصاد، لتأمينه الى السوق، وتخزينه في الاهراءات التي دُمرت في الانفجار بمرفأ بيروت، فكان على الحكومة والوزير المختص، ان يقوم بتفعيل دور المكتب، الذي يحمل اسم «الحبوب والشمندر السكري».

فاهمال دور هذه المؤسسات، لصالح شركات خاصة، كما غيرها من ادارات في الدولة، هو الذي ادى الى الانهيار، ونهب اموال المواطنين وافقارهم وتجويعهم، اذ توجد عشرات المؤسسات الرسمية التي عليها ان تقوم بواجباتها لصالح الشعب وتخلت عنها، لان من هم في السلطة وشركاء لهم في القطاع الخاص، اسسوا لشركاتهم ومصارفهم واقتصادهم على حساب اللبنانيين، الذين وصلوا متأخرين لمحاسبة من سرق لقمة عيشهم.

مصدرجريدة الديار اللبنانية - كمال ذبيان
المادة السابقةاستثمارات عربية في طرابلس تحتاج الى قرار حكومي جريء
المقالة القادمةحسن: سنقدم كوزارة صحة مليون ونصف مليون كمامة مجاناً للمواطنين