الدولار هو الوجهة التي تشير إليها كافة الأصابع، وهو الذريعة المستخدَمة لتبرير رفع الأسعار، بعيداً من الأسباب الحقيقية. وشركتيّ الخليوي تاتش وألفا، تريدان الدولار لشراء المازوت والمعدات وقطع الغيار وما إلى ذلك من مصارفاتٍ مطلوبة بالدولار، فيما لا يمكنهما تعديل أسعارهما إلاّ بقانون، بوصفهما مشغّلين لمرفقٍ عام.
المكان الأنسب لتأمين الدولار حالياً، هو مصرف لبنان. وإليه استدارت عيون الشركتين، لكنّ المصرف المركزي رفض تأمين الدولارات وفق أسعار منصّة صيرفة. ما استدعى استغراب لجنة الإعلام والاتصالات، التي تساءل رئيسها النائب حسين الحاج حسن، عن كيفية تأمين الدولارات، ووفق أي سعر.
لا إجابات حالياً. بل أن عدم تجاوب المصرف المركزي أثار استغراب الشركتين. فتؤكّد مصادر في شركة ألفا، خلال حديث لـ”المدن”، عن الأسباب التي تدفع المركزي لعدم تأمين الدولارات. وتشير إلى أن “المركزي لم يقدّم أسباباً حول الرفض”. وتمنّت المصادر أن “تجد إجابات من مصرف لبنان”. في ظل التعتيم الذي يمارسه المركزي، تعيد مصادر مصرفية تجاهل المركزي، إلى “محاولة توفير الدولارات التي يحصل عليها المركزي، لقطاع المحروقات الذي يشكّل عصب القطاعات”. وتقول المصادر لـ”المدن”، أن هذا التبرير “غير رسمي، لكنه المخرج الوحيد الذي يبرّر للمركزي امتناعه. لكن في الوقت عينه، لم ينصف المركزي الشركتين، فهما يديران مرفقاً عاماً وخدماتهما تعتبر خدمات عامة، ومن الواجب دعمها بأس شكل لأن الدعم ينعكس على المواطنين، والرفض كذلك”.
رفع الأسعار لمجابهة انهيار الليرة وشحّ الدولار في السوق ولدى مصرف لبنان، والاضطرار للشراء من السوق السوداء، بات أقرب إلى التحقُّق، “وينتظر ترتيب الأرضية المناسبة للإعلان عنه بعد الوصول إلى الصيغة التوافقية بين الشركتين والدولة”، على حد تعبير مصادر في وزارة الاتصالات، والتي تجزم لـ”المدن”، بأن “النقاش بين الأطراف المعنية مستمر، ومن المتوقَّع أن يُعتَمَد سعر 3900 ليرة كسعر صرف في القطاع”. وبالتالي، قد تُسَعَّر بالدولار كلاًّ من فواتير الخليوي للخطوط الثابتة وبطاقات مسبقة الدفع، والخدمات، وتُسَدَّد بالعملة المحلية على أساس 3900 ليرة للدولار”.
هذا الخيار يزيد الأثقال على جيوب اللبنانيين الذين لا يمكنهم الهروب من المصيبة لأن الدولة تفرض عليهم شراء خطوطهم شهرياً عبر بدعة “تشريج الأيام”. أما الواتساب الذي يتحايل بواسطته الناس على نار الدولارات الواجب شراؤها لاجراء الاتصالات، فتدخل تحت بند الإنترنت المدفوع الثمن عبر دولارات تُقتَطَع من الرصيد. وفي ظل تردّي خدمة الإنترنت، سيدفع الناس قيمة خدمة لن يستفيدوا منها كما يجب.
مقابل بحث الشركتين عن حلٍّ يقيهم شرّ الدولار، يبحث المواطنون الذين يؤجّرون مساحات من أراضيهم أو أسطح أبنيتهم للشركتين، عن الحل نفسه. فالشركتان تنشران أعمدة الإرسال ومحطاتهما في المناطق بناءُ على خرائط تضمن التوزيع الأنسب للإرسال. وتدفعان الإيجار بشكل سنوي. ومنذ بدء الإنهيار، يطالب أصحاب الأراضي والأسطح بتعديل تعرفة الإيجار إلى الدولار أو الليرة بسعر صرف يفوق السعر الرسمي. وامتناع الشركتين عن حسم المسألة، جعلهما يتوقّفان عن دفع بدلات الإيجار بشكل متقطّع، وأحياناً يمتنع أصحاب الأراضي عن استلام بدل الإيجار على أمل تعديل التعرفة.
أما البدلات “فتتراوح بين 7 آلاف دولار وتصعد لتصل إلى ما يفوق الـ10 آلاف دولار في بعض المناطق. وبالتأكيد، لن تدفع الشركتنا بدلات الإيجار وفق سعر صرف السوق السوداء”. في المقابل، “لم يشكّل هذا التباين في وجهات النظر بين الشركتين وأصحاب الأراضي عائقاً كبيراً، لأن للطرفين مصلحة في إبقاء المحطات في مكانها. فإن كانت الشركتان تستفيدان من توزيع الإرسال بالشكل المطلوب، فأصحاب الأراضي يستفيدون من بدل الإيجار والكهرباء المجانية من مولّدات الكهرباء في المحطات. وعليه، من المنتظر أن تبقى هذه القضية رهن حل أزمة الدولار مع الدولة”.